للروابط الموجودة بين المذاهب، ونظراً إلى هذه المقارنة تحلّ الكثير من المسائل وتفتح في وجه الإنسان آفاق واسعة من البحوث الفقهية، والجدير بالذكر أنّ الذي يقوم بدراسة المسائل الفقهية من هذا المنظار يتمكّن من تقديم أدقّ الآراء الفقهية، ونحن بدورنا سلكنا هذا الطريق في نقد الآراء الفقهية [1].

قلّة الاهتمام بفقه أهل البيت عليهم السلام:

إنّ من عجائب التاريخ الإسلامي هو أنّه بالرغم من التوصيات المؤكّدة لنبيّ الإسلام صلى الله عليه و آله فيمايخصّ اتّباع أهل بيته عليهم السلام كما هو الوارد في حديث الثقلين المتّفق عليه حيث قال: «إنّي تَارِكٌ فيكُمُ الثَّقَلَيْنِ كِتابَ اللَّهِ وعِتْرَتي، ما إنْ تَمَسَّكْتُم بِهِما لَنْ تَضِلّوا أبَداً» [2] وبالرغم من قوله: «وإنّهُما لَنْ‌ يَفْتَرِقا حتّى يَرِدا عليَّ الحَوْضَ» [3] وأنّ النبيَّ قال صراحةً أيضاً: «عَلِيٌّ مَعَ الْحَقّ وَالْحَقُّ مَعَ عَلَيّ يَدُورُ مَعهُ حَيثُما دارَ» [4] على الرغم من كلّ ذلك نرى أنّ أهل البيت عليهم السلام قد عاشوا بعد رحيل النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله وخاصّة في عصر بني أمية، المظلومية والإقصاء بشكل غير قابل للتصوّر! هذه المظلومية قد وصلت إلى حدٍّ أنّ أكبر شخصية من أهل البيت عليهم السلام أي الإمام عليّ عليه السلام الذي يمثّل جبل العلم والأسوة الحسنة للتقوى، وأكبر مدافع عن الإسلام؛ يواجه السبّ والإهانة وهتك الحرمة بدرجة غريبة جدّاً، ويعيش أصحابه وأتباعه مختلف أشكال الضغوط والأذى‌ ممّا لا سابق له في التاريخ!!

لقد مرّت سبعون عاماً في التاريخ الإسلامي والإمام عليّ عليه السلام يسبّ على المنابر وخاصة في صلاة الجمعة [5]، وقد كتب معاوية في كتبه إلى عمّاله: «أن برئت الذمّة ممّن روى شيئاً في فضل أبي تراب وأهل بيته» وبعد إعلانه هذا أخذ الخطباء يسبّون الإمام عليه السلام ويتبرّؤون منه بصورة علنية على منابرهم في جميع البلاد الإسلامية [6].

[1]. لمزيد من الاطلاع انظر: «مكانة الفقه الإسلامي في ميدان الامم وتعامل المذاهب فيما بينها» من هذا الجزء.

[2]. عيون أخبار الرضا، ج 2، ص 34؛ إرشاد المفيد، ج 1، ص 233؛ مستدرك الحاكم، ج 3، ص 148؛ مجمع الزوائد، ج 9، ص 163.

[3]. تحف العقول، ص 459؛ بحارالأنوار، ج 22، ص 104 ومابعدها؛ مستدرك الحاكم، ج 3، ص 148؛ مجمع‌الزوائد، ج 9، ص 163.

[4]. من لا يحضره الفقيه، ج 3، ص 498؛ الاحتجاج للطبرسي، ج 1، ص 97؛ بحار الأنوار، ج 29، ص 343؛ مجمع الزوائد، ج 7، ص 235؛ شرح نهج‌البلاغة لابن أبي الحديد، ج 2، ص 297.

[5]. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 11، ص 44.

[6]. النصائح الكافية، ص 72.