دلالة الحروف أوّلًا على معنى وحكايتها عنه، ثمّ إيجاد النسبة الكلاميّة بها
في ضوء تلك الحكاية، مع أنّه لو كانت معاني الحروف إيجاديّة فلا سبيل للصدق والكذب
إليها، كما هو كذلك في جميع الإنشائيّات فلا معنى لكون قضية «زيد في الدار» صادقة
أو كاذبة.
الرابع: ما أفاده سيدنا الاستاذ المحقّق الخوئي رحمه
الله، وملخّصه: «إنّ الحروف بأجمعها وضعت لتضييقات المعاني الاسمية وتقييداتها
بقيود خارجة عن حقائقها، ومع ذلك لا نظر لها إلى النسب الخارجيّة، بل التضييق
إنّما هو في عالم المفهوميّة.
توضيح ذلك: إنّ كلّ مفهوم اسمي له سعة وإطلاق بالإضافة
إلى الحصص الّتي تحته سواء كان الإطلاق بالقياس إلى الخصوصيّات المنوّعة أو
المصنّفة أو المشخّصة أو بالقياس إلى حالات شخص واحد، ومن الضروري أنّ غرض المتكلّم
كما يتعلّق بإفادة المفهوم على إطلاقه وسعته كذلك قد يتعلّق بإفادة حصّة خاصّة منه
كما في قولك «الصلاة في المسجد حكمها كذا»، وحيث إنّ حصص المعنى الواحد فضلًا عن
المعاني الكثيرة غير متناهيّة، فلابدّ للواضع الحكيم من وضع ما يوجب تخصيص المعنى
وتقييده عند الحاجة إليه، وليس ذلك إلّا بسبب الحروف والهيئات وبذلك يظهر أنّ
إيجاد الحروف لمعانيها إنّما هو باعتبار حدوث الضيق في مرحلة الإثبات والدلالة،
وإلّا كان المفهوم متّصفاً بالإطلاق والسعة وأمّا باعتبار مقام الثبوت فالكاشف عن
تعلّق القصد بإفادة المعنى المضيّق إنّما هو الحروف» [1].
ولكن يلاحظ عليه أوّلًا: إنّ هناك قسماً
ثالثاً من الحروف لا يجري فيه شيء ممّا ذكره، كالحروف العاطفة فإنّها ليست
إنشائيّة كما أنّها ليست لبيان الحصص الخاصّة من المعاني الإسميّة وغيرها.
وثانياً: إنّ التضييق لا يخلو من أحد أمرين: إمّا أن يكون
من طريق الحكاية والدلالة على الخارج أو بدونها، فإن لم يكن مع الدلالة فلا معنى
له، وإن كان مع