قلت: هذا غير
صحيح، لأنّ تحريم المنافع المعتدّ بها يجعلها كالعدم فلا تكون له منفعة، و لكن
جواز بعض المنافع النادرة لا يجعلها غالبة، لأنّ الحليّة شيء، و الغلبة شيء آخر،
فالفرق بين المسألتين غير خفي على من تدبّر و دقّق النظر، فلا تحصل المالية بمجرّد
تحليل المنافع النادرة.
3- قد يكون
لشيء مراتب من المالية، فالدهن المأخوذ من الزبد باعتبار حليّة أكله له مالية
عالية، و باعتبار حليّة الاسراج به أو صنع الصابون له مالية ذاتية، فبالأوّل يبذل
بازائه مال كثير، و بالنسبة إلى الثاني لا يبذل له إلّا القليل، فلو فسد بحيث لا
يصلح إلّا للإسراج به، فلو بيع بعنوان إنّه دهن مأكول كان أكل المال بازائه أكلا
بالباطل، فليس القصد و الاشتراط بنفسه شيئا، بل المعيار على أخذ العوض في مقابله
بعنوان أنّه مأكول أو غير مأكول، و حينئذ لا يخلو بيعه عن الإشكال إذا جعل الثمن
بعنوان أنّه مأكول، فتأمّل.
أمّا من
الجهة الثانية فقد ورد في روايتين ما قد يستفاد منه الاشتراط، أو لزوم القصد و
هما:
ما رواه
معاوية بن وهب و غيره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في جرذ مات في زيت ما تقول في
بيع ذلك؟ فقال: «بعه و بيّنه لمن اشتراه ليستصبح به» [1].
و ما رواه
عبد الخالق عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سأله سعيد الأعرج السمّان و أنا
حاضر عن الزيت و السمن و العسل تقع فيه الفأرة فتموت كيف يصنع به؟ قال: «أمّا
الزيت فلا تبعه إلّا لمن تبيّن له فيبتاع للسراج، و أمّا الأكل فلا، و أمّا السمن
فإن كان ذائبا فهو كذلك و إن كان جامدا و الفأرة في أعلاه فيؤخذ ما تحتها و ما
حولها ثمّ لا بأس به و العسل كذلك إن كان جامدا» [2].
و الرواية
الثانية ضعيفة لمحمّد بن خالد الطيالسي، و لكن سند الأوّل لا بأس به.
هذا و قد
يجاب عنهما بأنّ الإسراج فيهما من قبيل الغاية، لا من قبيل الشرط، فإنّه أمر
بالتبيين للمشتري و جعل ذلك نتيجة له، فاللازم هو التبيين، و أمّا الإسراج فهو عمل
يتفرّع عليه إذا علمه المسلم.
[1]. وسائل الشيعة، ج 12، ص 66، الباب 6، من أبواب
ما يكتسب به، ح 4.