و أمّا ثانيا، فللتصريح في غير واحد منهما بكون المراد الحلف كاذبا (فراجع
الأحاديث 4/ 12 و 9/ 12 و 13/ 12 و 14/ 12 التي مرّت عليك آنفا).
بقى هنا امور:
الأوّل: ظاهر أخبار الباب بل صريحها بطلان الطلاق و سائر الإيقاعات و العقود
الواقعة عن إكراه و شبهه، و جواز الحلف لها، و هل يعتبر عدم القدرة على التورية
هنا أيضا كما اعتبرناه في ناحية الحكم التكليفي؟ ظاهر المشهور عدمه، بل قد يسند
إلى إجماعهم، فحينئذ يأتي الكلام في الفرق بين المسألتين.
قد يقال: الفرق إنّما هو بين عنوان «الإكراه» و «الاضطرار»، فانّ الاضطرار لا
يصدق إلّا عند عدم المفرّ، و لكن الإكراه صادق في الصورتين، و تبطل العقود كلّها
عند الإكراه.
و الأولى أن يقال: إنّ المعاملات تدور مدار الرضا، و مع الإكراه لا يكون هناك
رضا، سواء قدر على التورية، أو لا، و أمّا الحكم التكليفي في الكذب فانّه يرد مدار
الضرورة و عدم طريق آخر.
و الظاهر أنّ البيان الأوّل الذي ذكره الشيخ أيضا يعود إليه و إن توهّم
تباينهما.
الثّاني: ذكر شيخنا الأعظم في بعض كلماته أنّ المسوّغ للكذب هو المسوّغ لسائر
المحرّمات ... نعم يستحبّ تحمّل الضرر المالي اليسير ...
قلت: هو كذلك بعد ما عرفت أنّ المدار في الجميع عنوان «الضرورة و الاضطرار» و
انّ أخبار الكذب لا تدلّ على أكثر منه و تستثنى منها صورة القدرة على التورية
بالمعنى الذي عرفت.
و لكن ليعلم أنّ نفي الضرر عن الأخ المؤمن أيضا يعدّ ضرورة كما هو واضح
بالوجدان، كما أنّ الظاهر أنّها منصرفة عن الضرر اليسير و ناظرة إلى الضرر الكثير.
الثّالث: يبقى الكلام فيما صدر عن المعصومين عليهم السّلام عند التقيّة و
أنّها كذب مجاز للضرورة، أو في جميعها نوع من التورية، أو مجاز مع إخفاء القرينة
أو شبه ذلك؟