والكثير من الواجبات ندركها بحكم العقل أيضاً، فالعقل يأمرنا باجتناب مصاديق الظلم
وفروعه، ويأمرنا بإتيان مصاديق الإحسان وإسداء يد المعونة للآخرين وأننا مسؤولون
في مقابلهم، وربّما يؤاخذنا اللَّه تعالى إذا لم نمتثل أوامر العقل، ولكنّ
المستفاد من الآيات القرآنية أنّ اللَّه تعالى ما لم يبعث نبياً إلى قوم أو مجتمع
فإنّه لا يعاقبهم، حتى في صورة مخالفتهم للمستقلات العقلية أيضاً وهذا هو منتهى
اللطف الإلهي، أي أنّ حكم العقل لوحده لا يكفي للعقوبة، بل يجب إتمام الحجّة
بواسطة حكم الشرع، وحينئذٍ فمن يخالف هذا الحكم يستحق العقوبة.
وقد أشار القرآن الكريم في أكثر من آية إلى هذا المعنى، وقلّما بحث هذا
الموضوع علماء الكلام، ومن جملة الآيات ما ورد في الآيتين الشريفتين 15 و 16 من
سورة الاسراء:
وطبقاً لهاتين الآيتين، فما لم يبعث اللَّه نبيّاً لقوم من الأقوام وما لم
يتمّ ذلك النبي الحجّة عليهم فإنّ اللَّه تعالى لا يعذبهم حتى إذا حكمت عقولهم
بحسن أمر معين أو قبحه، وإذا أراد اللَّه تعالى إنزال العقوبة بقوم أو جماعة من
الناس فلا يحتاج لحشد قوى السماء والأرض، بل يكفي أن يرسل صاعقة عليهم، وعلى حدّ
تعبير القرآن «صيحة سماوية» وبلحظة يتبدل كل شيء إلى رماد، أو يرسل عليهم اعصاراً
مدمراً مدّة سبعة أيّام ليدمر كل شيء، أو يأمر الأرض، التي تعتبر بمثابة المهد
للإنسان، أن تتحرك حركة خفيفة «زلزلة» فينهدم في تلك المدينة كل شيء وينقلب رأساً
على عقب، وهذا نوع من إظهار القدرة من قِبل اللَّه تعالى في مقابل البشر الضعيف
المغرور.
النتيجة، أنّ اللَّه تعالى بعث لكل إنسان رسولًا من داخله يسمّى (العقل)
ورسولًا من خارجه يسمّى (النبي)، وما لم يتمّ النبي الظاهر الحجّة على هذا الإنسان
فإنّ اللَّه لايعاقبه ولا يستجعل في إنزال العقاب على الناس.