ظاهراً ، إذ لم يكن عمر الصدوق حين وفاة والده قد تجاوز الثانية والعشرين على أبعد التقادير ، لما تقدّم من أنّ لقاء الأب مع الحسين بن روح رضي اللّه تعالى عنه كان بحدود سنة 306هـ وهو لم يرزق ولداً بعد ، فلو فرض أنّ الصدوق ولد بعد ذلك بسنةواحدة لكان عمره يوم وفاة أبيه هو ما ذكرناه .
أمّا متى كتبت هذه الرسالة بالضبط ؟ هل في أواخر حياة الأب أم بعد ولادة الصدوق مباشرة خشية من مفاجأة الموت ـ كما فعل الزراري في رسالته ـ ؟ وفي أي مكان كتبت في قم أو غيرها ؟ وأين كان الابن حين ذاك في قم أو خارجها ؟ ومن حملها إليه ، وهل هي وصية الأب إلى الابن ثمّ اشتهرت فيما بعد باسم الرسالة ؟
الحقّ ، أنّ الإجابة على جميع هذه الأسئلة بنحو القطع غير ممكن ؛ لافتقارنا إلى النصوص التي يُطمأنّ إليها .
ولكن من مراجعة أسفار الشيخ الصدوق يُعلم أنّه لم يخرج من قم قبل وفاة والده ، وإنّما بدأت أسفاره ورحلاته بعد ذلك بمدّة ، وقد استقصينا أسفاره ورحلاته من خلال تصريحاته بها في ثنايا أسانيد كتبه فلم نجد ما يشير إلى مغادرته قم في حياة والده .
وعليه ، يمكن احتمال عكس ما احتمله بعض الأعلام ـ من أنّها كتبت في قم والولد خارجاً ـ وذلك بالنظر إلى لقاءات الوالد المتكرّرة مع وكلاء الإمام الحجّة (عليه السلام) في بغداد ، فلعلّه كتبها في بغداد في السنة التي استأذن فيها لزيارة البيت الحرام وهي سنة 323هـ والتي استجازه فيها التلعكبري فخرج عدم الإذن أوّلاً للخوف عليه من القرامطة ، ثمّ بعد السؤال ثانية خرج الإذن مع النصح أن يكون في آخر القافلة .
وهذا يشعر أنّه كان في بغداد طيلة تلك الفترة ، إذ من البعيد جدّاً أن يستأذن في الحجّ من قم ثمّ يرده المنع من بغداد ثمّ يسأل ثانية من قم فيرد الإذن من بغداد أيضاً ثمّ يتأهّب للسفر ، كل ذلك قبيل موسم واحد مع البعد الشاسع بين قم وبغداد الذي قد لا يطوى في ذلك الحين بأقل من شهر أو شهرين .