اسم الکتاب : ينابيع الأحكام في معرفة الحلال والحرام المؤلف : الموسوي القزويني، السيد علي الجزء : 1 صفحة : 480
العلم بخلاف المعلوم الأوّل ، وإنّما يستفاد هذا التعميم من إطلاق قوله عليهالسلام : « لا ينقض اليقين أبدا بالشكّ » [١] بناء على ما
تقدّم من أنّ المراد منع رفع اليد عمّا كان متيقّنا ، وهو كما ترى يشمل ما لو كان
اليقين المعتبر معه لمجرّد الطريقيّة ، أو من جهة الموضوعيّة.
ومن جملة ما
اعتبر فيه العلم واليقين شرعا من باب الموضوعيّة إنّما هو النجاسة المنوطة بالعلم
بتحقّق سببها ، على حسب ما هو موجب الأخبار المتقدّمة ، فإنّ المتأمّل فيها وفي
مفادها يعرف أنّ الشارع جعل العلم بالنسبة إلى حكم النجاسة جزءا للموضوع ، على
معنى أنّ النجاسة وأحكامها لا تثبت إلّا فيما علم بتحقّق سبب النجاسة فيه.
وممّا يستفاد
منه ذلك صراحة صحيحة زرارة [٢]المتقدّمة المشتملة بقوله عليهالسلام : « تغسله ولا تعيد الصلاة » بعد قول السائل : « فنظرت
فلم أر شيئا ثمّ صلّيت فرأيته فيه » فإنّ موضوع النجاسة لو كان هو الواقع من غير
مدخليّة للعلم فيه إلّا من باب الطريقيّة ، كان اللازم إبطال الصلاة والحكم
بإعادتها ، ضرورة وقوعها في مفروض السؤال مع النجاسة الواقعيّة ، ومن أحكام
النجاسة بطلان الصلاة الواقعة معها وفي معناها الأخبار المستفيضة ، بل المتواترة
الواردة في اشتمال المصلّي على النجاسة ، المفصّلة بين سبق العلم بها على الصلاة
وعدمه ، فموضوع النجاسة ما علم فيه بتحقّق السبب ، أو ما قارنه الحالة المتعقّبة
للعلم بتحقّقه إلى أن تصل حدّ العلم بالخلاف.
ومن هنا يعرف
أنّ العلم بعد ما كان داخلا في موضوع النجاسة لا يمكن دخوله في موضوع الطهارة ،
وإلّا لزم ارتفاع النقيضين ، أو ضدّين لا ثالث لهما في صورة عدم العلم بشيء منهما
كما لا يخفى ، ولذا وردت الأخبار المتواترة حسبما عرفت بين صريحة وظاهرة في الحكم
بالطهارة ما لم يعلم النجاسة ، فموضوع الطهارة حينئذ ما لم يعلم فيه بتحقّق سبب
النجاسة.
ولا ريب أنّ
هذا الموضوع ممّا لا يجتمع في الوجود الخارجي مع ما هو موضوع النجاسة ، وهو ما علم
فيه بتحقّق سبب النجاسة ، لاشتمال كلّ على قيد معاند لما قيّد به الآخر ، فحيثما
انتفى العلم وما يقوم مقامه حصل موضوع الطهارة ، وحيثما حصل العلم أو ما يقوم
مقامه انتفى موضوع الطهارة ووجد موضوع النجاسة.