للمصالح الدينية وبحسبها ، وإذا جاز في العقل اختلافها بحسب اختلاف الأزمان
والمكلفين ، فما المانع من النسخ ، وهو سبب الإعلام بتجديدها ، وبالوصول [١] إلى العلم بها
، وبما تعلقت به المصلحة منها ، فيكون المنع منه تعويلا على أنه يؤدي إلى البداء
باطلا ، لأنه يخالفه حدا وشرطا ، والفرق بينهما ظاهر ، ولو كان نسخ الشرائع [٢] بداء أو مؤديا
إليه ، لزم مثله في كل ما تجدد من أفعاله تعالى ، وحصل بعد غيره ، كالموت بعد
الحياة ، والسقم بعد الصحة ، والضعف بعد القوة ، والغلاء بعد الرخص ، وهلم جرا.
وإذا لم يكن في
شيء من ذلك ما يؤدي إليه ، ولا ما يقتضيه ، فنسخ الشرائع أولى أن لا يلزم عليها
ما يؤدي إليه ولا إلى غيره ، لتعلق الجميع بداعي الحكمة التي يستحيل منافاتها ، وإذا
ساغ النسخ عقلا فلا مانع منه شرعا [٣] ، لأنه لا حجة لمانعية فيما احتجوا به من النقل ، لكونه
من أضعف رواية آحادهم التي لا سبيل لهم إلى تصحيحه ، ولا إلى إثبات كونهم متواترين
به ، للعلم الضروري بارتفاع شروط التواتر عنهم بل استحالتها فيهم ، ولو لم يكونوا
كذلك كان احتمال ما تشبثوا به من نقلهم للتأويل ولزوم حمله عليه ، لئلا يرجع
بالقدح على نبوة نبيهم ، مسقطا للاحتجاج به ومغنيا عن النظر فيه.