في بعض الاوقات ان يكون النهى عبثا كذا ذكره الفاضل الجواد ويدفعه عدم دلالة النهى على الفور عند القائل بكونه للمرة أو لمطلق الطبيعة حسب ما سيشير المصنف رحمه الله إليه من ان القائل بنفى دلالته على الدوام وينفى الدلالة على الفور وهو وان لم يكن متجها كما سنشير إليه الا ان القائل المذكور لا يلزمه القول بدلالته على الفور قطعا فلا وجه لا يراد المذكور عند من نفى الدلالة على الفور كما هو المختار وتارة بانه يثمر ذلك في حصول الامتثال فانه وان حصل الترك مع انتفاء النهى الا انه لا يتفرع عليه حصول الامتثال بالترك الا مع حصول النهى فيمكن معه قصد الامتثال واورد عليه بانه لا اعتبار لقصد الامتثال في جانب النهى إذ ليس المقصود من تشريعة قصد التقرب المعتبر في العبادات لوضوح عدم اندراج النواهي الشرعية في العبادة الا ما ورد من النواهي المأخوذة في بعض العبادات كالصوم فالمراد به في الحقيقة بيان حقيقة تلك العبادة المأخوذة بها واعتبار الوجه فيه انما هو من جهة الامر فلا ربط له بالمقام وفيه ان المقصود المورد امكان قصد الامتثال حينئذ فيترتب عليه الثواب على فرض حصول القصد المذكور وهو كاف في الخروج عن العقوبة لا لزوم حصوله واعتباره في نفس التكليف فيكون القصد المذكور مأخوذا في النواهي ليعتبر القربة في التروك المطلوبة بها ليلزم اندراجها في العبادة وهو ظاهر فالحق في دفعه ان يقال ان ذلك لا يكتفى في تصحيح التكليف إذ لا بد في صحة التكليف بالفعل أو الترك كونه في حيز الامكان فيكون خارجا عن درجتي الوجوب والامتناع فلو كان الفعل واجبا لم يصح تعلق الامر أو النهي به غاية الامر انه إذا كان تركه واجبا كان تعلق الامر به قبيحا من قبح التكليف بما لا يطاق وان كان فعله واجبا كان قبحه من جهة الهذرية وهى (ايضا) ارادة احد الجهات في امتناع التكليف حيثما تقرر في محله وكذا الحال لو كان الفعل أو الترك واجبا في تعلق النهى به لكن على عكس الحال في الامر وليس مجرد صحة قصد الامتثال في صورة وجوب الفعل بالنسبة إلى الامر أو امتناعه بالنسبة إلى النهى كافيا في صحة التكليف فان صحة القصد المذكور فرع تحقق التكليف فإذا كان التكليف قبيحا لم يصح ذلك ولو اخذ ذلك قيدا في الفعل ولو صح القول في ذلك يتوقف على اطالة الكلام ولا يناسبه المقام سيما مع وضوح المراد ولعلنا نتعرض في المقام اللايق به وبالجملة تقبيح ما ذكر في الجملة من الامور الظاهرة عند العقل الا ترى وضوح قبح امر المكلف بالكون في المكان أو الزمان ونهيه عن الجمع بين النقيضين والطيران في الهواء مطلقا أو مقيدا بقصد التقرب مع جريان ما ذكره المستدل هنا فيها ايضا والتحقيق في الايراد على الدليل المذكور ما عرفته في الجواب عن غيره من عدم دلالة ذلك عن وضع الصيغة للدوام إذ لو كان موضوعا لما يستلزم الدوام مع الاطلاق حسب ما قررنا كان كافيا في حصول الثمرة المطلوبة ومنها ظهور التناقض عرفا بين قولنا اضرب زيدا ولا تضربه وقد عرفت ان مفاد اضرب هو طلب حقيقة الضرب في الجملة الحاصلة بمرة واحدة فلو كان النهى ايضا موضوعا لذلك لم يكن بينهما مناقضة لرجوعهما حينئذ إلى قضيتين مهملتين هما في قوة الجزئية ولا تناقض بين الجزئيتين بوجه من الوجوه وفيه ان المناقضة بينهما قد تكون من جهة ان تعلق الامر بالطبيعة يفيد مطلوب الفعل في كل ان من الانات مع عدم تعلقه في الاول كما هو قضية الاطلاق فيرجع إلى العموم لكن على سبيل التخيير بين جزئياته وهو لا يجامع الجزئية المستفاد من النهى ومع الغض عن ذلك فقد يكون مبنى المناقضة على انصراف اطلاق النهى إلى الدوام لا وضعه له فان كان المقصود من الدليل المذكور افادة الوضع له لم يتم ذلك ودعوى اصاله كون الدلالة تضمنية عند الدوران بينها وبين الالتزامية وقد عرفت وهنها وهناك حجج اخرى للقول المذكور موهونة جدا فهى لاعراض عنها احرى قوله بانه لو كان للدوام لما انفك عنه إلى اخره قد يورد عليه بان الكلام حينئذ في الدلالة اللفظية والتخلف جايز واقع بالنسبة إليها كيف وباب المجاز واسع حتى قيل باغلبيته على الحقيقة فالملازمة المدعاة فاسدة جدا ويمكن دفعة تارة بان الكلام هنا في الملازمة العقلية حسب ما مر ويحتمله الدليل المتقدم في كلامه بناء على ان ترك الطبيعة لا يتحقق الا بترك جميع افرادها فيقال لو تم ذلك لجرى في جميع النواهي وليس كذلك واخرى بان التخلف في الدلالات اللفظية انما يكون بالنسبة إلى الارادة دون نفس الدلالة والمفروض حصول الثاني فيما ذكره من المثال إذ لا يدل نهى الحايض عن الصلوة والصيام على المنع منها على سبيل الدوام فذلك وجهان في تقرير الاحتجاج المذكور ويمكن الايراد عليهما بان اقصى ما يلزم منها عدم وضع الصيغة لخصوص الدوام وعدم استلزام مدلول الصيغة للدوام مطلقا حيث حصل الانفكاك بينهما ولا يلزم منهما عدم وضع الصيغة لما يستلزم الدوام حال الا طلاق وان امكن الانفكاك بينهما بعدم قيام القرينة متصلة أو منفصلة على عدم ارادة المطلق حينئذ قد يفيد الدوام ايضا على حسب القيد والحاصل ان النهى يفيد الدوام مطلقا مع الا طلاق والدوام على حسب القيد مع التقييد ولا يفيد الدوام اصلا مع قيام القرينة على ارادة الترك في الجملة من دون لزوم المجاز في شئ من الصور حسبما مر بيانه وقد تقرر الاحتجاج بوجه ثالث وهو انه لو كان حقيقة في خصوص الدوام لما كان مستعملا في غيره على وجه الحقيقة والملازمة ظاهرة والتالى باطل عن نهى الحايض عن الصلاة والصوم مع كون النهى المتعلق بهما على وجه الحقيقة دون المجاز وفيه ان الدعوى المذكورة محل خفاء إذ كون النهى منهما على وجه الحقيقة اول الكلام واورد عليه ايضا برجوعه إلى الدليل وانت خبير بما فيه لاختلاف كيفية الاستدلال في المقامين وان اتحدت المقدمات المأخوذة فيهما على ان ذلك ايضا ممنوع بناء على حمل المناقضة في الدليل الاتى على مناقضة الحقيقة دون الصور الحاصلة في المجازات الباعثة على صرفها من الحقيقة وقد يقرر ذلك بوجه رابع حاصله ان بعض صيغ النهى ورد لا لتكراره ومجيئه للتكرار امر مقرر معلوم فيجب ان يكون للقدر المشترك بينها دفعا للاشتراك والمجاز وانت خبير ببعده عن العبارة جدا فحملها على ذلك تعسف ركيك مضافا إلى انه عين الدليل الثاني فلا وجه لحمل العبارة عليه ثم الايراد بعدم الفرق بين الدليلين كما فعله المدقق المحشى رحمه الله وقد يقرر بوجه خامس وهو انه لو كان للتكرار لما انفك منه مع اطلاق النهى والتالى باطل فالمقدم مثله وهو ايضا خارج عن ظاهر العبارة ولا يوافقه الجواب المذكور