الفعل راغبا فيه ليتعلق التكليف اذن بالكف ويرد عليه ان فيه خروجا عن ظاهر الاطلاق من غير جهة باعثة عليه وما ذكر من الوجه يتم معه ان كان ورد التكليف على الوجه المذكور لا وقوعه كيف ولم يعتبره الشارع في جانب الامر إذ لم يقل احد بعدم شمول الاوامر لمن يريد المأمور به ويرغب إليه ويأتى به مع قطع النظر عن امر الشارع به وحينئذ فالتزام القائل المذكور بذلك في جانب النهى بعيد جدا سيما وقد ذهب جماعة من الاجلة إلى اطلاقه على نحو الامر كما هو ظاهر المفهوم من النهى في العرف بل الظاهر انه لا مجال لتوهم عدم تحريم المحرمات على غير الراغب فيها فيظهر من ذلك وهن القول المذكور جدا ان حمل على ظاهره ويمكن ان يقال في توجيهه ان المراد بالكف هو الميل عن الفعل والانصراف عنه عند تصور الطرفين سواء حصل إلى الرغبة إلى الفعل اولا فان العاقل المتصور للفعل والترك لابد من ميله إلى احد الجانبين فالمراد بالكف هو ميله إلى جانب الترك لان يتعلق الطلب به بخلاف الايجاد إذ لا مانع من تعلق الطلب به فيكون الميل المذكور من جملة مقدماته وحينئذ فلا فرق بين القولين المذكورين الا بالاعتبار حيث يقول القائل بتعلق الطلب بالكف كون المطلوب هو ميل النفس عن الفعل وانصرافه عنه وبقول القائل بتعلقه بالترك كون الملكف به نفس الترك المسبب من ذلك المتفرع عليه وكأنه إلى ذلك نظر بعض شراح المنهاج حيث عزى إليه القول بعدم الفرق فين القولين المذكورين ويشير إليه ما ذكره التفتازانى في المطول من تقارب القولين وكيف كان فالمختار ما اختاره المصنف من كون متعلق الطلب في النهى هو الترك إذ هو المتبادر من الصيغة بعد ملاحظة العرف والتأمل في الاستعمالات ولان الذم والعقوبة انما يترتب على مخالفة المأمور لما طلب منه فان كان المطلوب بالنهي هو الكف لزم ان لا يتعلق الذم والعقوبة به لفعل المنهى عنه بل على ترك الكف عنه ومن الواضح خلافه وعلى القول بكون المطلوب هو الترك يصح وقوع الذم والعقوبة على الفعل إذا هو في مقابلة الترك ويشهد له ايضا ان مفاد المادة هو الطبيعة المطلقة كما مر في الامر وحرف النهى الواردة عليها انما يفيد نفيها ومفاد الهيئة الطارية على ترك المادة هو انشاء الطلب فالمتحصل من المجموع هو طلب عدم ذلك الفعل اعني طلب الترك ويفيده ايضا ان الامر طلب لايجاد الفعل فيكون النهى المقابل له طلبا لتركه وما يتخيل في دفع ذلك ولزوم صرف الطلب إلى الكف بدعوى عدم مقدورية العدم فلا يمكن تعلق التكليف به واه جدا كما سيجئ انشاء الله تعالى قوله يعد في العرف ممتثلا على انه لم يفعل لا يخفى ان صدق الامتثال موقوف على كون الترك لاجل النهى لا لجهة اخرى وحينئذ يمدح على ترك الفعل من جهة تعمده الترك لاجل النهى وهو مفاد الكف عن الفعل فلا دلالة في ذلك على كون المطلوب نفس الترك وفيه ان حيثية الكف مغايرة للجهة المذكورة ان كان صادقا له فحصول المدح على الجهة المذكورة شاهد على كون المطلوب نفس الترك حتى عد الترك الحاصل من جهة النهى امتثالا فان حقيقة الامتثال والاتيان بما كلف به من جهة كونه مكلفا به فلو كان المكلف به هنا هو الكف لكان الامتثال حاصلا به من الجهة المذكورة لا من جهة الترك فلما وجدنا حصول الامتثال بمجرد الترك الحاصل على الوجه المذكور دل على كونه هو المكلف به في النهى هذا ومرجع الدليل المذكور إلى ما ذكرناه من التبادر وقد يستدل عليه ايضا بانه كثيرا ما يترك الحرام مع ارادة الفعل على وجه لو حصل له القدرة عليه لاتى به أو من دون ارادة اصلا وعلى الوجهين لا يحصل الكف فلو كان المكلف به هو الكف لزم حينئذ فواته ويلزمه ترتب العقاب واورد عليه بالتزام ترتب العقاب في المقام بكون العزم على ترك الحرام من احكام الايمان والمفروض انتفاؤه في الصورتين فيترتب العقاب عليه وضعفه ظاهر فان العصيان حينئذ على فرض تسليمه انما يترتب على مخالفة تكليف دون ترك المكلف به بالتكليف المفروض إذا لا يصدق مخالفته للنهى المذكور قطعا وان حصل عزمه على المخالفة في الصورة الاولى وترك العزم على الطاعة في الثانية فلو كان المطلوب في النهى الكف لصدق مخالفته لنفس النهى المذكور ايضا لانتفاء مطلوبه الذى هو الكف ومن الواضح خلافه قوله احتجوا بان النهى تكليف إلى اخره محصله ان النهى تكليف ولا شئ من التكليف متعلقا بغير المقدور فلا شئ من النهى يتعلق بغير المقدور وكل عدم غير مقدور فلا شئ من النهى متعلقا بالعدم والمقدمات المأخوذة في الاحتجاج المذكورة مسلمة الا الكبرى الاخيرة فبينه بقوله لكونه عدما اصليا إلى اخره هذا وقد يستدل ايضا على ذلك بوجه اخر اشار إليه في غاية المأمور وحاصله ان الامتثال انما يتحقق بالكف عن الفعل والثواب انما يترتب عليه دون مجرد الترك فما تعلق الطلب به هو الذى ترتب الامتثال والثواب عليه واجاب عنه بالمنع من ترتب الثواب على الكف بل انما يترتب الثواب على الترك من دون مدخلية الكف وانت خبير بان حصول الامتثال وترتب الثواب انما يتصور فيما إذا ترك المنهى عنه لاجل نهيه عنه واما إذا تركه لاجل امر اخر مع علمه بالنهي أو عدمه فليس ذلك قاضيا بصدق الامتثال ولا باعثا على ترتب الثواب حسب ما مر بيانه لكن لا يقتضى ذلك بعدم حصول المطلوب بالترك المفروض لما عرفت من الفرق بين اداء الواجب وترك المحرم وحصول الامتثال فقول ان تحقق الامتثال وترتب الثواب انما هو في صورة الكف على فرض تسليمه لا يقضى بتعلق النهى بالكف إذ تعلق النهى بالترك لا يستدعى حصول الامتثال بمجرد الترك كما ان تعلق الامر بالفعل لا يقضى بحصول الامتثال بمجرد لاتيان به بل يتوقف ايضا على كون ادائه من جهة امر الامر به وبدونه بكون اداء للواجب من غير ان يكون امتثالا كما مر تفصيل القول فيه فبما زعمه المستدل من الملازمة مم ولو سلم ذلك نقول ان حصول الامتثال وترتب الثواب حينئذ انما هو من اجل الترك دون الكف وان كان مجامعا له إذ مجرد حصول الكف حينئذ لا يستدعى كون الامتثال من جهته لما عرفت من الفرق بين الامرين وكون الامتثال حاصلا من جهة الترك فان اراد المجيب ترتب الامتثال عن الترك ترتب عليه في الصورة المفروضة المجامعة للكف فهو كذلك وان اراد ترتبه على مجرد الترك كيفما حصل فهو بين الفساد لما عرفت قوله المنع من انه غير مقدور لما كانت المقدمة المذكورة مستدلا عليه في كلام المستدل ولم يتعلق المنع المذكور بشئ من مقدمات دليله لم يتجه الايراد عليه بالمنع ولذا