آخره ، فإنّ النشيش
: هو صوت الغليان ، والظاهر من المحافظة عليه بأن لا ينشّ ليس إلاّ لخوف تحريمه
بالغليان.
قلنا : مع أنّ
قوله : حتى يصير ، أو : يشرب حلالا ، من قول الراوي في سؤاله ـ ولا حجّيّة فيه
إلاّ من حيث تقرير المعصوم له على فهمه ، وقد بيّنّا في موضعه أنّه ليس بحجّة ـ أكثر
ما ذكر في الكيفيّة ، بل كلّه ـ عدا الغلي حتى يذهب الثلثان ـ لا دخل له في
الحلّية قطعا ، فلا بدّ في الكلام من ارتكاب تجوّز إمّا في كلام السائل بمثل إرادة
أنّه كيف يطبخ حتى يبقى على الحلّية ولا يصير مسكرا ، أو حتى تحصل فيه فوائد
النبيذ وخواصّه المطلوبة منه من دون عروض إسكار ، أو غير ذلك من المعاني ، بل
الأول هو الظاهر من قوله : حتى يشرب حلالا.
والقول : بأنّ
العدول عن الظاهر في غير ذهاب الثلاثين لوجود الصارف القطعي لا يقتضي العدول عنه
في الذهاب أيضا مع انتفاء الصارف عنه ، بل يجب إبقاؤه على ظاهره.
مردود بأنّ هذا
ليس من باب تخصيص العامّ حتى يقتصر فيه على المتيقّن ، بل من باب ارتكاب أحد
التأويلين أو التجوّزين ، وعدم وجود مرجّح لأحدهما ، بل وجوده لما يخالف مطلوب
المستدلّ.
وأمّا قوله : «
حتى لا ينشّ » فإنّ فيه : أنّ بعد ذلك أمر بغليانه حتى يذهب ثلثاه فهو وإن حرم
بالنشيش فلا مانع منه ، لتعقّبه بالغليان الموجب للتحليل بعد ذلك ، وحينئذ فلعلّ
المحافظة عليه من النشيش إنّما هو لغرض آخر ، لا لأنّه يحرم بعد ذلك ، فإنّه وإن
حرم لكن لا منافاة فيه بعد غلية إلى ذهاب الثلاثين المأمور به ثانيا ، وحينئذ فلا
فرق في حصول التحريم فيه في وقت النشيش ولا وقت الغليان أخيرا.