القليل بمنزلة
الكثير ، كقوله : زيد كلّ الرجل ، يريد بذلك معادلته للجماعة. أو إلى أنّ القليل
المأكول مثلا لمّا كان قدر كفايته فكأنّه أكل الكلّ ، فيقصد المبالغة دون الحقيقة
، وبمثل تلك الاعتبارات يزول القبح الثابت له قبل ذلك.
ومن ذلك يعلم أنّ
القبح لم يكن مستندا إلى مخالفة اللغة أو الخروج عن قوانين العربيّة ، وإلاّ
لاستمرّ مع اللفظ ولم يكن يزول أبدا وإن روعيت فيه أنواع اللطائف أو اختلفت
الأحوال والمقامات.
وفيه أولا : أنّ
الاستثناء في الآية الأولى منقطع ، لأنّ من اتّبعه من الغاوين ليس داخلا في العباد
، لأنّ العبد من أقرّ بالعبوديّة وتلبّس بآداب العبادة ، قال الله سبحانه (
فَادْخُلِي فِي عِبادِي. وَادْخُلِي جَنَّتِي )[١] ، فلا تخصيص
فيها. والمخرج في الآية الثانية قليل بالنسبة إلى الباقين.
وثانيا : أنّه لا
يعلم أنّ من اتّبع الشيطان من الغاوين ـ الذي عليه سلطانه ـ يكون أكثر من غيره من
العباد أو مساويا له ، لأنّهم بين تابع لله ومستضعف من الدين لم تقرع إسماعهم
شريعة أو لم يعلموا غير طريقتهم طريقة حقّة ، وبين تابع للشيطان.
وبتقرير آخر : بين
ذوي النفوس المطمئنّة وذوي النفوس اللوّامة وذوي النفوس الأمّارة والمستضعفين
الخالين عن النفوس الثلاث الذين هم أكثر الناس ، ومن سلّط عليه الشيطان هو الثالث
، ومن أين علم أنّه أكثر العباد أو مساو لغيره؟! ومن أحاط بعباد الله سبحانه من
بدو خلقهم إلى انقراضهم في شرق الدنيا وغربها وبرّها وبحرها؟!