وأما ثانيا : فلأن
ما ذكره من منع العقل لو لا ذلك من العمل بخبر الثقة غير مستقيم ، إذ العقل لا
يحيل التعبد به ، ولأن اللازم من ذلك امتناع العمل به مطلقا ، وهو معلوم البطلان.
وأما ثالثا : فلأن
ما ذكره من عمل الأصحاب برواية هؤلاء مناف لما قرره في الأصول من اشتراط إيمان
الراوي ، وما أجاب به عن احتجاج الشيخ ـ رحمهالله ـ على عدم اشتراط ذلك بأن الشيعة عملت برواية بني فضال والطاطرية
[١] وأضرابهم : من أنه إلى الآن لم يعلم أنّ الشيعة عملت بأخبار هؤلاء [٢].
وبالجملة : فكلام
المصنف في هذا المقام لا يخلو من اختلاف. ولتحقيق المسألة موضع آخر.
وهنا شيء ينبغي
التنبيه له وهو : إن مقتضى الأخبار المتضمنة لنفي البأس عن سؤر الهرة وغيرها من
السباع [٣] طهارتها بمجرد زوال العين ، لأنها لا تكاد تنفك عن
النجاسات ، خصوصا الهرة ، فإن العلم بمباشرتها للنجاسة متحقق في أكثر الأوقات ،
ولو لا ذلك للزم صرف اللفظ الظاهر إلى الفرد النادر ، بل تأخير البيان عن وقت
الحاجة ، وإنه ممتنع عقلا. وبذلك صرح المصنف في المعتبر [٤] ، والعلامة في
التذكرة والمنتهى [٥] فإنهما قالا : إنّ الهرة لو أكلت ميتة ثم شربت من الماء
القليل لم ينجس بذلك ، سواء غابت أو لم تغب. وقوّى العلامة في النهاية نجاسة الماء
حينئذ ، ثم جزم بأنها لو غابت
[١] قال في رجال
النجاشي : ( ٢٥٤ ـ ٦٦٧ ) : علي بن الحسن بن محمد المعروف بالطاطري ، وإنما سمي
بذلك لبيعه ثيابا يقال لها الطاطرية. وكان من وجوه الواقفة.