الأجرة وجبت بالعقد، و إذا لم يستوف المنفعة مع التمكن منها فقد ضيّع حقه، و ذلك لا يسقط حق المؤجر.
و إذا قال: آجرتك هذه الدار كل شهر بكذا، صحّ العقد و إن لم يعيّن آخر المدّة، لأنّ الأصل جوازه و المنع يحتاج إلى دليل [1]، و هو مذهب أبي حنيفة، و في البداية: من استاجر دارا كلّ شهر بدرهم، فالعقد صحيح في شهر واحد فاسد في بقيّة الشهور إلّا أن يسمّي جملة الشهور معلومة، فإن سكن الشهر الثاني ساعة صحّ العقد فيه [2]. و قال بعض أصحاب الشافعي هذه إجارة باطلة [3]، و في الخلاصة و لا يصحّ الإجارة مشاهرة حتى يذكر مدة محصورة.
و يستحق الأجرة للزمان المذكور بالدخول فيه، و يجوز الفسخ بخروجه ما لم يدخل في الثاني، و من أصحابنا من قال: لا يجوز أن يؤجر مدة قبل دخول ابتدائها، لافتقار صحة الإجارة إلى التسليم، و منهم من اختار القول بجواز ذلك و هو أولى لقوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ[4] و قوله (عليه السلام): المؤمنون عند شروطهم، و أمّا التسليم فهو مقدور عليه حين استحقاق المستأجر و تعذّره قبل ذلك لا ينافي عقد الإجارة.
و لا يجوز أن يؤجر بأكثر مما استأجره من جنسه- سواء كان المستأجر هو المؤجر أو غيره- إلّا أن يحدث فيما استأجره حدثا يصلحه [5] و به أي بجوازه قال الشافعي إلّا أنّه لم يراع إحداث الحدث.
و قال أبو حنيفة: إن آجرها من المكري بمثل تلك الأجرة أو أقل منها فإنّه يجوز، و بأكثر منها لا يجوز.
لنا أنّه لا خلاف في جواز ذلك بعد الحدث و لا دليل على جوازه قبله.
و لا بأس بذلك مع اختلاف الجنس، مثل أن يستأجر بدينار، فيؤجره بأكثر من قيمته من العروض؛ لأنّ الربا لا يدخل مع الاختلاف، و لأن الأصل في العقل [130/ أ] و الشرع جواز التّصرف فيما يملك إلّا لمانع.