و لا يجوز لصاحب الدين المؤجل، أن يمنع من هو عليه الدين من السّفر، و لا أن يطالبه بكفيل [1] و به قال الشافعي و أبو حنيفة، و قال مالك: له مطالبته بالكفيل [2]. [و كذا] و لو كان سفره إلى الجهاد [3] و هو ظاهر قول الشافعي، و في أصحابه من قال: له المطالبة بالوثيقة، أو منعه من الجهاد [4] أو كانت مدّته أكثر من أجل الدين لأن الأصل براء الذّمة من الكفيل، و دعوى جواز المطالبة به يفتقر إلى دليل و لأنّه لا يستحق عليه شيئا في الحال، فلا يستحق المطالبة به بإقامة الكفيل.
و يكره استحلاف الغريم المنكر، لأنّ في ذلك تضييعا للحقّ و تعريضا لليمين الكاذبة، و متى حلف لم يجز لصاحب الدين إذا ظفر بشيء من ماله أن يأخذ منه بمقدار حقّه، و يجوز له ذلك إذا لم يحلف إلّا أن يكون ما ظفر به وديعة عنده، فإنّه لا يجوز له أخذ شيء منها بغير إذنه على كل حال و يخصّ الوديعة عموم قوله تعالى إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمٰانٰاتِ إِلىٰ أَهْلِهٰا[5].
و إذا استدان العبد بغير إذن سيّده فلا ضمان عليه و لا على السيّد إلّا أن يعتق فيلزمه الوفاء [6]، و قال الشافعي: متى اذن له في التجارة فركبه دين، فإن كان في يده مال قضى عنه، و إن لم يكن [108/ ب] في يده مال كان في ذمّته يتبع به إذا أعتق و لا يباع فيه، و قال أبو حنيفة: يباع فيه إذا طالبه الغرماء بيعه [7].
و من مات حلّ ما عليه من دين مؤجل، بلا خلاف إلّا من الحسن البصري، و لا يحلّ ماله من دين مؤجل بلا خلاف إلّا ما رواه أصحابنا من طريق الآحاد أنّه يصير حالًّا و لا يثبت الدين في التركة إلّا بإقرار جميع الورثة، أو شهادة عدلين منهم أو من غيرهم به مع يمين المدّعي، فإن أقرّ بعضهم و لم يكن على ما ذكرناه لزمه من الدين بمقدار حقّه من التركة، و لم يلزم غيره، و متى لم يترك المقتول عمدا ما يقضي به دينه لم يجز لأوليائه القود إلّا أن يضمنوا قضائه [8].