اسم الکتاب : إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان المؤلف : العلامة الحلي الجزء : 1 صفحة : 128
الواضح لدى العقلاء إنّ صيانة قلم المؤرخ و طهارة لسانه و عفّة بيانه من البذاءة و الفحش من الشرائط المهمّة في قبول نقله و الاعتماد عليه و الركون إليه- و من العجب أنّ بعض المتأخرين من الخاصة تبع تعبير القوم عن هذا الملك الجليل و لم يتأمّل أنّه لقب تنابزوا به- و ما ذلك إلّا لبغض آل الرسول الداء الدفين في قلوبهم و تلك الأحقاد البدرية و الحنينية، و إلّا فما ذنب هذا الملك بعد اعترافهم بجلالته و عدالته و شهامته و رقّه قلبه و حسن سياسته و تدبيره [1].
و اختيار هذا الملك مذهب التشيّع لم يكن عن ميل النفس و الهوى، أو احتياج لبقاء سلطنته، و إنّما كان بعد مناظرات علّامتنا أبي منصور مع علماء الفرق كافّة، فأوقعهم في مضيق الإلزام و الافحام، و أثبت عليهم حقّية مذهب أهل البيت الكرام، حتى قال الخواجه نظام الدين عبد الملك المراغي- الذي هو أفضل علماء الشافعية، بل أفضل و أكمل علماء أهل السنّة- بعد ما سمع أدلّة العلّامة على حقّية مذهب أهل البيت، قال: أدلّة حضرة هذا الشيخ في غاية الظهور، إلّا أنّ السلف منّا سلكوا طريقاً، و الخلف لالجام العوام و دفع شقّ عصا أهل الإسلام سكتوا عن زلل أقدامهم، فبالحريّ أن لا تهتك أسرارهم و لا يتظاهر في اللعن عليهم [2].
و كان هذا السلطان كما قال الحافظ الأبر و الشافعي المعاصر له: صاحب ذوق سليم يحبّ العلم و العلماء بالأخص السادات، و ذكر بعد هذا أنّ ممالك إيران عمرت في زمانه، و اتفقت القبائل فيما بينها و أطاعت له الأمراء، حتى أجمعت العرب و العجم على إطاعته، و أسّس هذا السلطان في جميع البلاد المدارس و المساجد [3].
و قال العلّامة المترجم في حقه في ديباجة كتابه استقصاء النظر: و قد منحه اللّه بالقوة القدسية، و خصّه بالكمالات النفسية و القريحة الوقّادة، و الفكرة الصحيحة