اسم الکتاب : تاج العروس من جواهر القاموس المؤلف : المرتضى الزبيدي الجزء : 1 صفحة : 53
<مقدمة الزبيدي و هي مشتملة على عشرة مقاصد: >
المقصد الأَول في بيان أَن اللغة هل هي توقيفية أَو اصطلاحية
نقل السيوطي في المزهر عن أَبي الفتح بن بُرهان في كتاب الوصول إِلى الأُصول: اختلف العلماءُ في اللغة هل تثبت توقيفاً أَو اصطلاحاً، فذهبت المعتزِلة إِلى أَن اللغات بأَسرها تثبت اصطلاحاً، و ذهبت طائفة إِلى أَنها تثبت توقيفاً، و زعم الأُستاذ أَبو إِسحاق الإِسفرايني أَن القَدْر الذي يدعو به الإِنسانُ غيرَه إِلى التواضع يثبت توقيفاً، و ما عدا ذلك يجوز أَن يثبت بكل واحد من الطريقين، و قال القاضي أَبو بكر: لا يجوز أَن يثبت توقيفاً، و يجوز أَن يثبت اصطلاحاً و يجوز أَن يثبت بعضه توقيفاً و بعضه اصطلاحاً، و الكلّ ممكِنٌ.
و نقل أَيضاً عن إِمام الحرمين أَبي المعالي في البرهان:
اختلف أَربابُ الأُصول في مأْخذِ اللغات، فذهب ذاهبون إِلى أَنها توقيفٌ من اللََّه تعالى، و صار صائرون إِلى أَنها تثبت اصطلاحاً و تواطؤاً.
و نقل عن الزَّركشي في البحر المحيط: حكى الأُستاذ أَبو منصور قولاً أَن التوقيف وقع في الابتداء على لغة واحدة، و ما سِواها من اللغات وقع عليها التوقيف بعد الطُّوفان، من اللََّه تعالى، في أَولاد نوح، حين تفرَّقوا في الأَقطار. قال:
17- و قد رُوِي عن ابن عباسٍ رضي اللََّه عنهما أَن أَوّل من تكلم بالعربية المحضة إِسماعيل. و أَراد به عربيَّة قُريش التي نزل بها القرآن، و أَما عربيّة قحطانَ و حِمير فكانت قبل إسماعيل عليه السلام. و قال في شرح الأَسماء: قال الجمهور الأَعظم من الصحابة و التابعين من المفسِّرين إِنها كلَّها توقيف من اللََّه تعالى.
و قال أَهلُ التحقيق من أَصحابنا: لابد من التوقيف في أَصل اللغة الواحدة، لاستحالة وقوع الاصطلاح على أَوّل اللغات، من غير معرفةٍ من المصطلحين بِعَيْن ما اصطلحوا عليه، و إِذا حصل التوقيف على لغةٍ واحدة، جاز أَن يكون ما بعدها من اللغات اصطلاحاً، و أَن يكون توقيفاً، و لا يُقْطَع بأَحدهما إِلا بدلالة.
ثم قال: و اختلفوا في لغة العرب، فمن زعم أَن اللغاتِ كلَّها اصطلاحٌ فكذا قولُه في لغةِ العرب، و من قال بالتوقيف على اللغةِ الأُخرى [1] و أَجاز الاصطلاح فيما سواها من اللغاتِ، إختلفوا في لغة العرب، فمنهم من قال: هي أَول اللغات، و كلُّ لغة سواها حَدثَتْ فيما بعد إِما توقيفاً أَو اصطلاحاً، و استدلوا بِأَن القرآن كلام اللََّه تعالى، و هو عربيٌّ، و هو دليل على أَن لغة العرب أَسبق اللغاتِ وجوداً، و منهم من قال: لغةُ العرب نوعان: أَحدهما عَربيَّة حِمْير، و هي التي تكلّموا بها من عهد هُود وَ مَن قَبلَه، و بقي بعضُها إِلى وقتنا، و الثانية العربية المحضة، التي بها نزل القرآن، و أَوّل من أَطلقَ لِسانَه بها إِسماعيلُ، فعلى هذا القولِ يكون توقيف إِسماعيل على العربية المحضة يحتمل أَمرين: إِما أَن يكون اصطلاحاً بينه و بين جُرْهُمٍ النازلين عليه بمكَّة، و إِما أَن يكون توقيفاً من اللََّه تعالى، و هو الصواب.
17- قال السيوطي: و أَخرج ابنُ عساكر في التاريخ، عن ابن عباس ، أَن آدم عليه السلام كانت لغته في الجنة العربيَّة،
____________
[1] بهامش المطبوعة المصرية: «قوله على اللغة الأخرى في بعض نسخ المزهر اللغة الأولى و هي الأحسن.
اسم الکتاب : تاج العروس من جواهر القاموس المؤلف : المرتضى الزبيدي الجزء : 1 صفحة : 53