كلمة
المؤلّف يحسن التنبيه على امور في هذه المقدّمة:
1- الفقه
الإسلامي كافل لجميع الأحكام التي ترتبط بحياة الإنسان بنحو من الأنحاء، ارتباطه
مع اللّه، ارتباطه مع الناس، ارتباطه مع عالم الخلقة و الطبيعة، ارتباطه مع نفسه،
فعلى هذا لا يخلو شيء من أعمال الإنسان صغيرها و كبيرها، حتّى نيّاته و أفكاره عن
حكم فقهي.
و هذه
الدائرة الوسيعة جدّا للفقه الإسلامي تكشف عن عظمته من جانب، و عن صعوبته و عمقه و
المشاكل و المعضلات التي تواجه الفقهاء و المجتهدين من جانب آخر، و إليه يشير ما
ذكره شيخنا الأعظم- قدّس سرّه الشريف- في بعض كلماته: «الاجتهاد الذي هو أشدّ من
طول الجهاد ...»!
فعلى من يقصد
ورود هذا الميدان التهيّؤ للجهاد الواسع، و صرف وقته و جميع قواه الجسمانية و
الروحانية في هذا السبيل، مع تحمّل مرارة العيش و المشاقّ في هذا السبيل، و من
الواضح أنّ ثمرته أيضا عظيمة، و طافحة بالعنايات الإلهية و التأييدات الربّانية.
2- إنّما
تدوم عظمة الفقه الإسلامي و يتقدّم و ينمو في ضوء فتح باب الاجتهاد على جميع
العلماء الأعلام، و عدم حصره بجمع خاص من المتقدّمين، كما تدلّ عليه جميع الأدلّة
الواردة في الكتاب و السنّة الناظرة إلى هذا المعنى، فليس فيها أي أثر من مقولة
حصر الاجتهاد و استنباط الأحكام عن أدلّتها في طائفة خاصّة، أو فئة معيّنة.
و معه يقدر
العلماء الكبار المتضلّعون في الفقه على الغور في مسائله، و كشف النقاب عن حقائقه،
و الوصول إلى دقائق لم يصل إليها المتقدّمون منهم- جزاهم اللّه عن الإسلام خير
الجزاء- و يتقدّم هذا العلم بمرور الزمان كتقدّم سائر العلوم الإسلامية و غيرها.
و لذا نرى
الذين أغلقوا باب الاجتهاد في الفقه على أنفسهم، و حصروه في أئمّتهم الأربعة، و
منعوا الباقين أن يحوموا حول هذا الحمى، إنّهم لم يقدروا على التقدّم في هذا العلم
إن لم نقل أنّه مال عندهم إلى الغروب و الافول، بينما نرى الفقهاء الذين اقتدوا
بضياء أنوار