إنّ أصول الفقه قد جعله أرباب الفنون مستقلا بالبحث عنه فهو بهذا الاعتبار و إن كان علما برأسه في قبال ساير العلوم إلّا ان ذلك ليس من جهة أنّه فن مستقل في حد نفسه في مقابل غيره من الفنون و ذلك لعدم صلاحيته لأن يكون فنا واحدا ذا استقلال بل هو عبارة عن عدة مسائل متشتته جمعها ارتباطها بالفقه و تحقيق ذلك يتوقف على بيان الضابطة و الميزان في كل فن حتى يتّضح الحال في هذا المجال فنقول و على اللّه الاتكال في جميع الأقوال و الأفعال:
لا كلام في اشتمال كل فن على عدة مسائل لا تصير تلك المسائل فنا واحدا إلّا بعد رجوعها الى عنوان واحد و إلّا لكان كل مسئلة علما برأسه فجعل الفنون انّما هو باعتبار تصور الجامع بين المسائل المتفرقة حتى يمتاز كل فن عن غيره و تفترق مسائله عن مسائله. و قد ذكروا أن هذا الجامع عبارة عن رجوع المسائل الى موضوع واحد حيث قالوا ان تمايز العلوم بتمايز الموضوعات و هذا أمر معقول لوضوح انه و إن كان البحث و السؤال عن أحوال زيد مثلا و انه من أي بلد و من أبوه و أين مسكنه و ما هو حرفته جهات مختلفه إلّا أنّها ترتبط بشخص واحد و ترجع الى موضوع فارد.
ثم انهم قد تفطنوا الى جهة أخرى و هي ان الموضوع أما ابتدائي و أما أعم منه و من الثانوي و غيره فإن كان الملاك في التمايز هو الأول لزم استقلال كل مسئلة و صيرورتها علما واحدا فانّ الموضوع في رفع الفاعل غير الموضوع في نصب المفعول و إن كان الملاك هو الثاني لزم اختلاط الصرف و النحو و المعاني و البيان لرجوع جميعها