و يقال لهم: أليس اللّه تعالى قد فعل الظلم و ليس بظالم؟فمن قولهم: نعم، يقال لهم: فما أنكرتم أن يخبر بالكذب و لا يكون كاذبا؟فإن قالوا بذلك لم يؤمنوا أنّ جميع أخباره عن الغيب و الحساب و الجنّة و النار كذب و إن لم يكن كاذبا، و إن قالوا: لا يجوز أن يخبر بالكذب إلاّ كاذب، قيل لهم: فما أنكرتم أن لا يفعل الظلم إلاّ ظالم.
فإن قالوا: لا يجب أن يكون اللّه ظالما؛ لأنّه إنّما فعل ظلم العباد، قيل: فما أنكرتم أن لا يكون كاذبا؛ لأنّه إنّما قال كذبا للعباد، و لم يجدوا ممّا سألناهم عنه مخلصا.
و يقال لهم: أليس اللّه تعالى قد فعل عندكم شتم نفسه و لعن أنبيائه؟فإن قالوا: نعم. قيل لهم: فما أنكرتم أن يكون شاتما لنفسه لاعنا لأنبيائه، فإن قالوا: إنّه شاتم لنفسه لاعن لأنبيائه، فقد سقطت مؤنتهم و خرجوا عن دين أهل القبلة؛ و إن قالوا: إنّ اللّه لا يجوز أن يشتم نفسه و يلعن أنبياءه، قيل لهم: فما أنكرتم أن لا يجوز أن يفعل شتم نفسه و لا لعن أنبيائه. و كلّما اعتلوا بعلّة عورضوا بمثلها.
فصل التنديد بالقائلين بخلق الأفعال
قد كان الأولى أن لا ندلّ على مثل هذه المسألة-أعني أن أفعال العباد فعلهم و خلقهم-لأنّ المنكر لذلك ينكر المحسوسات التي قد تبيّن صحّتها، و لولا ما رجوته من زوال شبهة، و من وضوح حجّة تحصل لقاريء كتابي هذا لما كان هذا الباب ممّا ينتشر فيه القول.
و لا أعجب ممّن ينفي فعله مع علمه بأنّه يقع بحسب اختياره و دواعيه و مقاصده، نعوذ باللّه من الجهل، فأنّه إذا استولى و غمر طبّق و عمّ، و قد قال الرسول الصادق صلى اللّه عليه و آله و سلم: حبّك الشيء يعمي و يصم. غ