[السابع]: فصل في جواز نسخ الحكم دون التلاوة و نسخ التلاوة دونه
اعلم أنّ الحكم و التلاوة عبادتان يتبعان المصلحة، فجائز دخول النسخ فيهما اللفظ معا، و في كلّ واحدة دون الأخرى، بحسب ما تقتضيه المصلحة.
و مثال نسخ الحكم دون التلاوة و نسخ الاعتداد بالحول، و تقديم الصدقة أمام المناجاة. و مثال نسخ التلاوة دون الحكم غير مقطوع به؛ لأنّه من جهة خبر الآحاد، و هو ما روى أن من جملة القرآن «و الشيخ و الشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتّة» [1] فنسخت تلاوة ذلك. و مثال نسخ الحكم و التلاوة معا موجود أيضا في أخبار الآحاد، و هو ما روي عن عايشة أنّها قالت: «كان فيما أنزل اللّه سبحانه «عشر رضعات يحرّمن» فنسخ بخمس، و أنّ ذلك كان يتلى» [2] .
[الثامن]: فصل في جواز نسخ العبادة قبل فعلها
اعلم أن الشبهة في هذه المسألة كالمرتفعة، و إنّما المشتبه المسألة الّتي تلي هذا الفصل، و لا بدّ من بيان الحقّ فيما يشتبه، و لا يشتبه.
و الصحيح أنّ نسخ الشيء قبل فعله و بعد مضيّ وقته جائز؛ لأنّ اللّه تعالى قد يحسن أن يأمر بالفعل من يعصيه، كما يحسن أن يأمر من يطيعه، و إذا كان لو أمر من أطاع، لجاز النسخ بلا خلاف؛ فكذلك أمر من يعصي؛ لأنّ بالطاعة أو المعصية لا يتغيّر حسن النسخ التابع لتعريف المصالح في المستقبل.
و أيضا فقد دللنا على أن الشرائع لازمة للكفّار، فالنسخ قد تناولهم و إن عصوا و لم يفعلوا، و إذا جاز ذلك فيهم، جاز في غيرهم.
[1] مسند أحمد، 5: 132 و 183، سنن ابن ماجة، 2: 853، رقم 2553.