اسم الکتاب : نظم درر السمطين في فضائل المصطفى و المرتضى و البتول و السبطين(ع) المؤلف : الزرندي، محمد بن عز الدين الجزء : 1 صفحة : 25
قال المفسّرون في قوله تعالى: قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى[1]: هو من الوتر إلى العروة، و من القبضة إلى الوتر جعل اللّه محمّدا (صلّى اللّه عليه و سلّم) أدنى من ذلك حيث قال: (أَوْ أَدْنى) فلا يهدي أحد قرب الخالق من محمد (صلّى اللّه عليه و سلّم) لأنّه سبحانه عرف الخلق قربه.
ثمّ قال: أَوْ أَدْنى فلا يعرف مخلوق كم قدر الأدنى، و معناه قرب المنزلة و الجاه لا قرب المكان، فإنّ اللّه تعالى منزّه عن المكان كما يقال: فلان قريب من فلان.
و ممّا خصّ اللّه محمّدا (صلّى اللّه عليه و سلّم) أن جعله رحمة للعالمين مؤمنهم و كافرهم فقال عزّ و جلّ:
وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ[2] و قال (صلّى اللّه عليه و سلّم): «إنّما أنا رحمة مهداة» [3].
فهو مبعوث بالرحمة، لأنّ اللّه تعالى وضع في شريعته على أمّته ما كان في شرائع الأمم السالفة من الآصال و الأغلال ثمّ بيّن اللّه رحمته بالمؤمنين و الكافرين فقال تعالى في حقّ المؤمنين: الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ[4].
و قال تعالى: وَ كُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها[5] و هذا خبر منه سبحانه و الخلف في خبره محال فقد عظم الرجاء و الطمع في رحمته عزّ و جلّ بهم، و أمّا رحمته بالكافرين فقد أخبر سبحانه أن جهّال كفّار قريش حين سألوا العذاب: و قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ[6].
فقال اللّه: وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ[7] يعني ما دمت بينهم فإنّ اللّه لا يعذّبهم وَ ما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ[8] يعني في أصلابهم مؤمن يستغفر اللّه، و هذا بين في رحمته عزّ و جلّ بالمؤمنين و الكافرين بسببه و شرف لا يشاركه فيه أحد من الأنبياء (عليهم السلام)، فقد أكمل اللّه على جميع الأمّة بإرساله إليهم الرحمة، و أعظم عليهم المنّة و أتمّ عليهم النعمة،