اسم الکتاب : ميراثان في كتاب الله (العُجب) المؤلف : الآصفي، الشيخ محمد مهدي الجزء : 1 صفحة : 95
وهذا الفقر الصاعد والخير النازل حالةٌ دائمةٌ مستمرّة في حياة كل الناس ، وإذا أمعن الإنسان النظر في هذا الكون عامّة ، وفي حياة الأحياء خاصة يجد هناك دائماً فقراً صاعداً من العبد إلى الله ، ورحمة هابطة من الله على العباد ، الشاكرين منهم وغير الشاكرين ، والشكر عملية توعية وتسليط للضوء والوعي على هذا الفقر الصاعد والخير النازل ؛ يحسس الإنسان ويشعره بهذا الفقر الصاعد والخير النازل .
رُوي :
أن داود سأل الله تعالى عن قرينه ، فأوحى الله إليه : أنّه متّى أبو يونس ، فجاء مع سليمان لزيارته . فرآه إذ أقبل وعلى رأسه وفرٌ من حطب ، فباعه واشترى طعامه ، ثمّ طحنه وعجنه وخبزه ، فأخذ لقمةً وقال : بسم الله ، فلمّا ازدردها قال : الحمد لله ، ثمّ فعل ذلك بأخرى ، وأخرى .
ثمّ شرب الماء فذكر اسم الله ، فلمّا وضعه قال : الحمد لله يا ربّ ، من ذا الذي أنعمت عليه وأوليته مثل ما أوليتني ، قد صححت بصري ، وسمعي ، وبدني ، وقويتني ؛ حتى ذهبت إلى شجر لم أغرسه ولم أهتم لحفظه جعلته لي رزقاً ، وسقت إليّ من اشتراه منّي ، فاشتريت بثمنه طعاماً لم أزرعه ، وسخّرت لي النار فأنضجته ، وجعلتني آكله بشهوة أقوى بها على طاعتك فلك الحمد ، قال : ثمّ بكى .
قال داود : ( يا بني ، قم فانصرف بنا ؛ فإنّي لم أرَ عبداً قط أشكر لله من هذا ... ) . [1]
ولهذا الوعي والإحساس دور كبير ومؤثر في كسر شوكة ( الأنا ) وتعبيد الأنا لله تعالى ، وتكريس حالة عبودية الأنا لله .
الشُّكر والسُّكر :
وبعكس ذلك ، عندما ينتفي هذا الوعي عند الإنسان يكبر الأنا ويبرز ويحتل مساحة واسعة من حياته وشعوره ونفسه وتختفي حالة العبودية ، وهي حالة ( السُّكر ) في مقابل ( الشُّكر ) ، فإنّ الشكر هو الإحساس الواعي بفقر الإنسان إلى الله وحاجته إلى الله.