اسم الکتاب : مناقب علی بن ابیطالب علیه السلام المؤلف : ابن مردويه الأصفهاني الجزء : 1 صفحة : 202
لاثت خمارها على رأسها، و اشتملت بجلبابها، و أقبلت في لمّة من حفدتها و نساء قومها، تطأ ذيولها، ما تخرم مشية رسول اللّه (صلى الله عليه و آله) حتّى دخلت على أبي بكر و هو في حشد من المهاجرين و الأنصار و غيرهم، فنيطت دونها ملاءة، ثمّ أنّت أنّه أجهش لها القوم بالبكاء، ثمّ أمهلت هنيهة حتّى إذا سكنت فورتهم افتتحت كلامها بحمد اللّه، و الثناء عليه، ثمّ قالت: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ[1] فإن تعزوه تجدوه أبي دون نسائكم، و أخا ابن عمّي، دون رجالكم، فبلّغ الرسالة، صادعا بالنذارة، مائلا عن مدرجة المشركين، ضاربا لحدتهم، يجذ الأصنام، و ينكث الهام، و يدعو إلى سبيل ربّه بالحكمة و الموعظة الحسنة، حتّى تفرّى الليل عن صبحه، و أسفر الحق عن محضه، و نطق زعيم الدين، و خرست شقاشق الشياطين، و تمّت كلمة الإخلاص وَ كُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ[2]، نهزة الطامع، و مذقة الشارب، و قبسة العجلان، و موطئ الأقدام، تشربون الطرق، و تقتاتون القد، أذلّة خاسئين، حتّى استنقذكم اللّه و رسوله بعد اللتيا و الّتي، و بعد أن مني ببهم الرجال، و ذؤبان العرب، و مردة أهل الكتاب، كلّما أوقدوا نارا للحرب، و فغرت فاغرة، قذف أخاه في لهواتها فلا ينكفي حتّى يطأ صماخها بأخمصه، و يطفئ عادية لهبها بسيفه، و أنتم في رفاهيّة آمنون وادعون، حتّى إذا اختار اللّه لنبيّه دار أنبيائه، أطلع الشيطان رأسه، فدعاكم فألقاكم لدعوته مستجيبين، و للغرة ملاحظين، ثمّ استنهضكم فوجدكم غضابا، فوسمتم غير إبلكم، و وردتم غير شربكم، هذا و العهد قريب، و الكلم رحيب، و الجرح لمّا