اسم الکتاب : مصابيح الأحكام المؤلف : السيد بحر العلوم الجزء : 1 صفحة : 215
الثاني: «إنّه لو كان معيار نجاسة الماء و طهارته نقصانه عن الكرّ و بلوغه إليه، لما جاز إزالة الخبث منه بوجه من الوجوه، مع أنّه جائز بالضرورة و الاتّفاق، و ذلك لأنّ كلّ جزء من أجزاء الماء الوارد على المحلّ النجس إذا لاقاه كان متنجّساً بالملاقاة، خارجاً عن الطهورية في أوّل آنات اللقاء، و ما لم يلاقه لا يعقل أن يكون مطهّراً.
و الفرق بين وروده على النجاسة و ورودها عليه، مع انّه مخالف للنصوص، لا يجدي؛ إذ الكلام في ذلك الجزء الملاقي و لزوم تنجّسه، و القدر المستعلى لكونه دون مبلغ الكرّ، لا يقوى على أن يعصمه بالاتّصال عن الانفعال، فلو كانت الملاقاة مناط التنجيس لزم تنجّس القدر الملاقي لا محالة، فلا يحصل التطهير. و أمّا ما تكلّفه بعضهم من أرباب [1] القول بالانفعال هناك بعد الانفصال عن محلّ النجاسة، فمن أبعد التكلّفات. و من ذا الذي يرتضي القول بنجاسة الملاقي للنجاسة بعد مفارقته إيّاه [2] و طهارته حال ملاقاته لها، بل طهوريّته» [3].
الثالث: «إنّ اشتراط الكرّ مثار الوسواس، و لأجله شقّ الأمر على الناس، يعرفه من يجرّبه و يتأمّله. و ممّا لا شكّ فيه أنّ ذلك لو كان شرطاً لكان أولى المواضع بتعذّر الطهارة مكّة و المدينة المشرّفتين؛ إذ لا يكثر فيهما المياه الجارية و لا الراكد الكثير، و من أوّل عصر النبي (صلى الله عليه و آله) إلى آخر عصر الصحابة لم ينقل واقعة في الطهارات، و لا سؤال عن كيفيّة حفظ المياه من النجاسات، و كانت أواني مياههم يتعاطاها الصبيان و الإماء [و] [4] الذين لا يحترزون عن النجاسات، بل الكفّار، كما هو معلوم لمن تتبّع» [5].
[1]. كذا في جميع النسخ و المنقول في الحدائق الناضرة 1: 2. 3، و لكن ورد في المصدر: (ارتكاب).