اسم الکتاب : مجمع البيان في تفسير القرآن - ط دار المعرفة المؤلف : الشيخ الطبرسي الجزء : 1 صفحة : 168
(1) - فلنذكر أقسام الهداية التي هي ضده اعلم أن الهداية في القرآن تقع على وجوه (أحدها) أن تكون بمعنى الدلالة و الإرشاد يقال هداه الطريق و للطريق و إلى الطريق إذا دله عليه و هذا الوجه عام لجميع المكلفين فإن الله تعالى هدى كل مكلف إلى الحق بأن دله عليه و أرشده إليه لأنه كلفه الوصول إليه فلو لم يدله عليه لكان قد كلفه بما لا يطيق و يدل عليه قوله تعالى «وَ لَقَدْ جََاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ اَلْهُدىََ» و قوله «إِنََّا هَدَيْنََاهُ اَلسَّبِيلَ» و قوله «أُنْزِلَ فِيهِ اَلْقُرْآنُ هُدىً لِلنََّاسِ» و قوله «وَ أَمََّا ثَمُودُ فَهَدَيْنََاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا اَلْعَمىََ عَلَى اَلْهُدىََ» و قوله «وَ إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلىََ صِرََاطٍ مُسْتَقِيمٍ» و قوله «وَ هَدَيْنََاهُ اَلنَّجْدَيْنِ» و ما أشبه ذلك من الآيات (و ثانيها) أن يكون بمعنى زيادة الألطاف التي بها يثبت على الهدى و منه قوله تعالى «وَ اَلَّذِينَ اِهْتَدَوْا زََادَهُمْ هُدىً» أي شرح صدورهم و ثبتها (و ثالثها) أن يكون بمعنى الإثابة و منه قوله تعالى «يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمََانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ اَلْأَنْهََارُ فِي جَنََّاتِ اَلنَّعِيمِ» و قوله «وَ اَلَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اَللََّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمََالَهُمْ ` سَيَهْدِيهِمْ وَ يُصْلِحُ بََالَهُمْ» و الهداية التي تكون بعد قتلهم هي إثابتهم لا محالة لأنه ليس بعد الموت تكليف (و رابعها) الحكم بالهداية كقوله تعالى «وَ مَنْ يَهْدِ اَللََّهُ فَهُوَ اَلْمُهْتَدِ» و هذه الوجوه الثلاثة خاصة بالمؤمنين دون غيرهم لأنه تعالى إنما يثيب من يستحق الإثابة و هم المؤمنون و يزيدهم بإيمانهم و طاعاتهم ألطافا و يحكم لهم بالهداية لذلك أيضا (و خامسها) أن تكون الهداية بمعنى جعل الإنسان مهتديا بأن يخلق الهداية فيه كما يجعل الشيء متحركا بخلق الحركة فيه و الله تعالى يفعل العلوم الضرورية في القلوب فذلك هداية منه تعالى و هذا الوجه أيضا عام لجميع العقلاء كالوجه الأولفأما الهداية التي كلف الله تعالى العباد فعلها كالإيمان به و بأنبيائه و غير ذلك فإنها من فعل العباد و لذلك يستحقون عليها المدح و الثواب و إن كان الله سبحانه قد أنعم عليهم بدلالتهم على ذلك و إرشادهم إليه و دعائهم إلى فعله و تكليفهم إياه و أمرهم به فهو من هذا الوجه نعمة منه سبحانه عليهم و منة منه واصلة إليهم و فضل منه و إحسان لديهم فهو سبحانه مشكور على ذلك محمود إذ فعل بتمكينه و ألطافه و ضروب تسهيلاته و معوناته
اسم الکتاب : مجمع البيان في تفسير القرآن - ط دار المعرفة المؤلف : الشيخ الطبرسي الجزء : 1 صفحة : 168