responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مبادئ الإيمان المؤلف : كاشف الغطاء، الشيخ محمد حسين    الجزء : 1  صفحة : 44

الحية التي صرفت لصدور هذا العمل تتلاشى تماماً ثمّ تأتي مادة جديدة تأخذ محل التالفة و تقوم مقامها في صدور ذلك العمل مرة ثانية و حفظ ذلك الهيكل من الانهيار و الدمار و هكذا كلما ذهب جزء خلفه آخر خلع و لبس كما قال عزَّ شأنه: أَ فَعَيِينٰا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ، و يكون قدر هذا الاتلاف بمقدار قوة الظهورات الحيوية و الاعمال البدنية فكلما اشتد ظهور الحياة و تكثرت مزاولة الاعمال الخارجية ازداد تلف المادة و تعويضها و تجديدها و من هنا تجد ارباب الاعمال اليدوية كالبنائين و الفلاحين و اضرابهم اقوى اجساماً و اعظم ابداناً بخلاف ذوي الاعمال الفكرية الذين تقل حركاتهم و تسكن عضلاتهم، ثمّ ان هذا التلف الدائم لا يزال يعتوره التعويض المتصل من المادة الحديثة الداخلة في الدم المتكونة من ثلاث دعائم هي دعائم الحياة و اسسها الجوهرية الهواء و الماء و الغذاء و لو فقد الانسان واحداً منها و لو بمدة قصيرة هلك و فقدت حياته.

و هذا العمل التجديدي عمل باطني سري لا يظهر في الخارج الا بعد دقة في الفكر و تعمق في النظر و لكن عوامل الاتلاف ظاهرة للعيان يقال عنها انها ظواهر الحياة و ما هي في الحقيقة الا عوامل الموت لأنها لا تتم الا باتلاف اجزاء من انسجتنا البدنية و اليافنا العضوية فنحن في كل ساعة نموت و نحيا و نقبر و ننشر، حتى تأتينا الموتة الكبرى و نحيا الحياة الأخرى.

اذاً فنحن بناء على ما ذكر في وسط تنازع هذين العاملين عامل الاتلاف و عامل التعويض يفنى جسمنا و يتجدد في مدار الحياة عدة مرات بمعنى ان جسمنا الذي نعيش به من بدأ ولادتنا الى منتهى اجلنا في هذه الحياة تفنى جميع اجزائه في كل برهة و تتحصل اجزاء يتقوم بها هذا الهيكل ليس فيها جزء السابقة و لا يمكن تقدير هذه البرهة على التحقيق يعني أي مقدار تتلاشى تلك الأجزاء جميعاً و تتجدد غيرها بموضعها نعم لا نعلم ذلك و لكن ينسب الى الفيزلوجي (موليشت) ان مدة بقائها ثلاثين يوماً ثمّ تفنى جميعاً و نقل عن (فلورنس) ان المدة سبع سنين، و قد اجرى العلماء المحققون في هذه الاعصار الامتحانات الدقيقة في بعض الحيوانات كالأرانب و غيرها فأثبت لهم البحث و التشريح تجدد كل انسجتها بل و حتى عظامها ذرة ذرة في مدة معينة، فكيف يتفق هذا مع ما يرتئيه الماديون و منكرو النفس المجردة في زعمهم ان الذاكرة قوة تنشأ من اهتزازات فسفورية تختزن في الخلية العصبية من الدماغ عند وصول التأثيرات الخارجية اليها نعم كيف يجتمع هذا مع ما تقرر في الفن و شهد به الاختبار و الاعتبار من ان كل ما فينا من الانسجة و العظام و الخلايا العصبية تتلاشى ثمّ تتجدد بمدة معلومة اقصى ما تتجدد به سبع سنوات، و لو كانت قوة التذكر و التفكر مادية و قائمة في خلايا الدماغ لكان اللازم ان نضطر في كل سبع سنين الى تجديد كل ما علمناه و تعلمناه سابقاً، و الحالة الراهنة المعلومة بالضرورة و الوجدان عندنا ان سيال المادة المتجدد و المجدد لما يندثر منا على الاتصال لم يحدث ادنى تغيير في ذاكرتنا و لم يطمس أي شعلة من علومنا و معارفنا و لعمري ان هذا لأقوى دليل على وجود قوة فينا مدركة شاعرة مجردة عن المادة باقية بذاتها مستقلة في وجودها بقيمومية مبدئها، محتاجة الى آلاتها المادية في تصرفها متحدة معها في ادنى مراتبها، و دثور المادة لا يستوجب دثورها و لا دثور شي‌ء من كمالاتها و لا من مدركاتها و لا من معلوماتها كيف لا؟ و لا تزال تخطر على بالنا في وقت الهرم امور وقعت لنا ايام‌

اسم الکتاب : مبادئ الإيمان المؤلف : كاشف الغطاء، الشيخ محمد حسين    الجزء : 1  صفحة : 44
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست