اسم الکتاب : كشف الغمة في معرفة الأئمة المؤلف : المحدث الإربلي الجزء : 1 صفحة : 261
عشيّة جاء أهل العراق كأنّهم * * * سحاب ربيع رفعته الجنائب
و جئناهم نردى (1) كأنّ خيولنا * * * من البحر موج مدّة متراكب
فدارت رحانا و استدارت رحاهم * * * سراة النّهار (2) ما تولّى المناكب
إذا قلت قد ولّوا سراعا بدت لنا * * * كتائب منهم و ارجحنت (3) كتائب
فقالوا لنا إنّا نرى أن تبايعوا * * * عليّا فقلنا بل نرى أن نضارب
قلت: و إنّما أوردت حديث عبد اللّه بن عمرو لأوضح لك غلط هؤلاء الأغنام في التأويل، و دخولهم في الكفر و الفسق بالدليل، هذا عبد اللّه كان زاهدا و أمره النبي بطاعة أبيه كما ورد،
و هو روى أنّ عمّارا تقتله الفئة الباغية،
و ما أحسّ أنّ طاعة أبيه إنّما يجب اتّباعها إذا كانت في خير و طاعة، أ تراه لم يسمع:
لا طاعة لمخلوق في عصيان الخالق،
و هو كما روي أنّ أوّل كلام قاله أبو بكر حين ولّى الخلافة، أولم يسمع قوله تعالى:
وَ إِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما(4) الآية إلى آخرها؟
و قد روى أحمد في مسنده عن عبادة بن الصامت رحمه اللّه قال: سمعت أبا القاسم (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) يقول: سيلي أموركم من بعدي رجال يعرفونكم ما تنكرون، و ينكرونكم ما تعرفون، فلا طاعة لمن عصى اللّه تعالى، فلا تعتلوا بربّكم عزّ و جلّ،
و كذا حال كلّ من عاند عليّا (عليه السلام)، فإنّ منهم من عرف فضله و سابقته و شرفه، لكنّهم غلبوا حبّ الدنيا على الآخرة، و باعوا نصيبهم منها بعاجل حصل لهم، فكانوا من الأخسرين أعمالا، الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا كمعاوية و عمرو بن العاص و أمثالهما، و منهم من أخطأ في التأويل كعبد اللّه بن عمر و الخوارج، و منهم من قعد عنه شاكّا في حروبه و مغازيه و هم جماعة، و ندموا عند موتهم حين لا ينفع الندم كعبد اللّه ابن عمر و غيره، فإنّه ندم على تخلّفه عن علي (عليه السلام) حين لا ينفع الندم كما ورد و نقلته الرواة، و منهم من ظهرت له أمارات الحقّ و أدركه اللّه برحمته فاستدرك الفارط كما جرى لخزيمة بن ثابت، فإنّه ما زال شاكّا معتزلا الحرب في الجمل، و في بعض أيّام صفّين، فلمّا قتل عمّار رحمه اللّه أصلت سيفه و قاتل حتّى قتل، و لا أكاد أعذر أحدا ممّن
(1) يقال تردى الفرس بالفتح يردى رديا و رديانا إذا رجم الأرض رجما بين العدو و المشي الشديد.