و كان اذا توجّه لمطالعة درس، أو التأمّل في عبارة مشكلة، يقبل عليه بجميع حواسه و همته، لا يقطعه عنه قاطع، حتى ينهيه على وجهه، و يستخرج من مكنونه ما لا يطيقه غيره.
و ربما كان يدرّس دروسا متعددة، فكان يراجع شروحها و حواشيها و متعلقاتها أجمع، و يلقي جميع ذلك وقت التدريس مع الردّ و القبول، لا يعزب عنه حرف واحد.
و كان بعض الطلبة يضع عبارات لا معاني لها و يسألها الأذكياء امتحانا لهم فربما كان يعرض عليه شيء منها، فينظر فيها و يستخرج لها معاني معقولة مقبولة و كان مع غاية حدّة ذهنه، و قوة مادّته، كثيرا ما يتثبّت لا ينطق الا بعد التروّي، و ملاحظة الأطراف له من المصنفات» [1].
و كان موفّقا سعيدا من أول عمره الى آخره، عاش في سعة رزق، و نعمة موفورة مستمرّة، و سافر الى بلاد العجم مرارا، مقبولا معظما عند أرباب الدنيا و الدّين، و اجتمع في حجّته و زيارته بفضلاء الحجاز و العراق و خراسان فعرفوا فضله و أذعنوا له [2].
و ها هو مدّ اللّه في سعادته، و أدام أيام افادته، قد ذرف على السبعين و يعين و لا يستعين، و يقوم بنفسه بالأعباء من حفظ النظام، و فصل الخصام، و تنفيذ الاحكام و الأمر بالمعروف، و النهي عن المنكر، و اقامة الجماعات، و امامة الجمعات، و قضاء الحقوق و التدريس، و الخطابة و النقابة، و النظر في مصالح كثيرة للحقّ لا تنتظم بغيره، و مراقبة الوفود، و اصدارهم بالصلات و الرفود» [3].