و أخيه، فلم ير بدّا غير الرجوع الى وطنه. فلما وصل، فرح جميع سكان الجزائر من تحصيلاته، ثم زوجوه رجاء بقائه عندهم.
لكنه بعد مضي عشرين يوما من هذا الزواج، ذهب الى زيارة بعض أصدقائه من الفضلاء في أطراف الجزائر و وقعت بينه و بين السيد مباحثات علمية، عرف بها نبوغه فتأسف على زواجه، اذ حسبه سببا لانقطاعه عن الاشتغال، فجرى على لسانه المثل السائر في مثل هذه المواضع، و هو «ذبح العلوم في فروج النساء» فتأثر السيد من هذا التعريض، بحيث قام من مكانه و سافر الى «شيراز» بدون اخبار أهله بذلك.
و لما كان السير في حالاته و التجول في مجالاته، مملوءا بالعبر، و مشحونا بالخبر، يجدر بنا أن نأتى نبذة من غرائب أحواله، التى حررها في آخر مقاله، في «الأنوار النعمانية» لكى يعلم أنه لم يبلغ الى هذه الذروة الشامخة من العلم و العمل، الا بعد ما تحمل المصائب و المتاعب كالجبل، و لم يصل الى كل مكان راق، الا بعد ما كابد من المشاق، ما به «يلتف الساق بالساق» خصوصا حينما سافر من العراق، و ابتلى بالهجرة و الفراق.
سيرة مؤلف هذا الكتاب المنيف، مقتبسا من قلمه الشريف:
اعلم (أطال اللّه بقاءك) أن مولد الفقير هو سنة خمسين بعد الألف (1050) و سنة تأليف هذا الكتاب (الأنوار النعمانية) هى السنة التاسعة و الثمانون بعد الألف (1089) فهذا العمر القليل قد مضى منه تسعة و ثلاثون سنة، فانظر الى ما أصاب صاحبه من المصائب و الأهوال.
و مجمل الأحوال هو أنه لما مضى من أيام الولادة خمس سنين و كنت مشعوفا باللهو و اللعب الذى يتداوله الأطفال، فكنت جالسا يوما مع صاحب لى