اسم الکتاب : قضاياالمجتمع والأسرة والزواج المؤلف : العلامة الطباطبائي الجزء : 1 صفحة : 84
الموجودون اليوم نوع كامل من الإنسان ، ينتهي أفراده إلى الإنسان الأول الكامل الذي يُسمّى بآدم ، وينشعب هذا النوع الكامل بالتولُّد تطوُّراً من نوع آخر من الإنسان ناقص فاقد للتعقُّل ، وهو يسير القهقري في أنواع حيوانية مترتّبة حتى ينتهي إلى أبسط الحيوان تجهيزاً وأنقصها كمالاً ، وإن أخذنا من هناك سائرين لم نَزَلْ ننتقل من ناقص إلى كامل ، ومن كامل إلى أكمل حتى ننتهي إلى الإنسان غير المجهز بالتعقُّل ، ثمّ إلى الإنسان الكامل ، كل ذلك في سلسلة نسبية متّصلة مؤلّفة من آباء وأعقاب .
أو أنّ سلسلة التوالد والتناسل تنقطع بالاتّصال بآدم وزوجه ، وهما متكوّنان من الأرض من غير تولُّد من أب وأمٍّ ؟ فليس شيء من هذه الصور ضرورياً .
وكيف كان ، فظاهرة الآيات القرآنية هو الصورة الأخيرة ، وهي انتهاء النسل الحاضر إلى آدم وزوجه المتكوِّنين من الأرض من غير أب وأُمٍّ ، غير أنّ الآيات لم تُبيِّن كيفية خلق آدم من الأرض ، وأنّه هل عملت في خلقه عِلل وعوامل خارقة للعادة ؟ وهل تمّت خلقته بتكوين إلهي آنيٍّ من غير مَهَل ، فتبدّل الجسد المصنوع من طين بدناً عادياً ذا روح إنساني ، أو أنّه عاد إنساناً تامّاً كاملاً في أزمنة معتدٍّ بها يتبدّل عليه فيها استعداد بعد استعداد وصورة وشكل بعد صورة وشكل ، حتى تمّ الاستعداد فنفخ فيه الروح ؟ وبالجُملة ، اجتمعت عليه من العِلل والشرائط نظير ما تجتمع على النطفة في الرحم .
ومن أوضح الدليل عليه قوله تعالى : ( إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ )[1] .
فإنّ الآية نزلت جواباً عن احتجاج النصارى على نبوّة عيسى ، بأنّه ولِد من غير أب بشريٍّ ، ولا ولد إلاّ بوالد ؛ فأبوه هو الله سبحانه ، فردّ في الآية بما