اسم الکتاب : قضاياالمجتمع والأسرة والزواج المؤلف : العلامة الطباطبائي الجزء : 1 صفحة : 34
نفسها . ففيما كان للإنسان ـ مثلاً ـ تمتُّع في إماتة حق من حقوق الغير ، ولا رادع يردعه ، ولا مُجازٍ يُجازيه ، ولا لائم مُعاتب يلومه ويُعاتبه ، فأيُّ مانع يمنعه في اقتراف الخطيئة وارتكاب المظلمة وإن عظمت ما عظمت ؟ وأمَّا ما يُتوهَّم ـ وكثيراً ما يُخطئ فيه الباحث ـ من الروادع المختلفة ، كالتعلُّق بالوطن وحبِّ النوع والثناء الجميل ونحو ذلك ، فإنّما هي عواطف قلبية ونزوعات باطنية لا سبب حافظاً عليها ، إلاَّ التعليم والتربية من غير استنادها إلى السبب الموجب ؛ فهي ـ إذن ـ أوصاف اتِّفاقية وأمور عادية ، لا مانع معها يمنع من زوالها ، فلماذا يجب على الإنسان أن يفدي بنفسه غيره ، ليتمتَّع بالعيش بعده ، وهو يرى أنَّ الموت فناء وبطلان ؟ والثناء الجميل إنَّما هو في لسان آخرين ولا لذَّة يلتذُّ به الفادي بعد بطلان ذاته .
وبالجملة ؛ لا يرتاب المتفكِّر البصير في أنَّ الإنسان لا يُقدم على حرمان لا يرجع إليه فيه جزاء ، ولا يعود إليه منه نفع ، والذي يعده ويمنِّيه في هذه الموارد ، ببقاء الذكر الحسن والثناء الجميل الخالد والفخر الباقي ببقاء الدهر ، فإنَّما هو غرور يغترُّ به وخدعة ينخدع بها بهيجان إحساساته وعواطفه ، فيُخيَّل إليه أنَّه بعد موته وبطلان ذاته حاله كحاله قبل موته ، فيشعر بذكره الجميل فيلتذُّ به ، وليس ذلك إلاَّ من غلط الوهم كالسكران يتسخَّر بهيجان إحساساته ، فيعفو ويبذل من نفسه وعرضه وماله أو كل كرامة له ما لو يُقدم عليه لو صحا وعقل ، وهو سكران لا يعقل ، ويعدُّ ذلك فتوَّة وهو سفه وجنون .
فهذه العثرات وأمثالها ممَّا لا حصن للإنسان يتحصَّن فيه منها ، غير التوحيد الذي ذكرناه ؛ ولذلك وضع الإسلام الأخلاق الكريمة ، التي جعلها جزءاً من طريقته الجارية على أساس التوحيد ، الذي من شؤونه القول بالمعاد ، ولازمه أن يلتزم الإنسان بالإحسان ويجتنَّب الإساءة أينما كان ومتى ما كان ، سواء علم به أم لم يعلم ، وسواء حمده حامد أم لم يحمد ، وسواء كان معه
اسم الکتاب : قضاياالمجتمع والأسرة والزواج المؤلف : العلامة الطباطبائي الجزء : 1 صفحة : 34