اسم الکتاب : قضاياالمجتمع والأسرة والزواج المؤلف : العلامة الطباطبائي الجزء : 1 صفحة : 142
وقتلها بنفس السيف الذي أعطته للإنسان لدفع الشرّ عنها ، ولو استُعمل الفكر ـ الذي هو أحد وسائل الطبيعة ـ في تأييد ما أُفسد من شؤون الطبيعة ، عادت هذه الوسيلة أيضاً فاسدة منحرفة كسائر الوسائل ؛ ولذلك ترى أنّ الإنسان اليوم كلّما أصلح بقوّة فكره واحداً من المفاسد العامة التي تُهدِّد مجتمعه ، أنتج ذلك ما هو أمرَّ وأدهى ، وزاد البلاء والمصيبة شيوعاً وشمولاً .
نعم ، ربّما قال القائل من هؤلاء : إنّ الصفات الروحية ـ التي تُسمّى الفضائل النفسانية ـ هي بقايا من عهد الأساطير والتوحُّش ، لا تُلائم حياة الإنسان الراقي اليوم ، كالعفّة والسخاء والحياء والرأفة والصدق ، فإنّ العفّة تقييد لطبيعة النفس فيما تشتهيه من غير وجه ، والسخاء إبطال لسعي الإنسان في جمعه المال ، وما قاساه من المحن في طريق اكتسابه ؛ على أنّه تعويد للمسكين بالبطالة في الاكتساب وبسط يده لذلِّ السؤال ، والحياء لجام يلجم الإنسان عن مطالبة حقوقه وإظهار ما في ضميره ، والرأفة تُضعف القلب ، والصدق لا يُلائم الحياة اليومية . وهذا الكلام بعينه من مصاديق الانحراف الذي ذكرناه .
ولم يَدرِ هذا القائل ، أنّ هذه الفضائل في المجتمع الإنساني من الواجبات الضرورية ، التي لو ارتفعت من أصلها لم يعشْ المجتمع بعدها في حال الاجتماع ولا ساعة .
فلو ارتفعت هذه الخصال ، وتعدّى كل فرد إلى ما لكلّ فرد ، من مختصّات الحقوق والأموال والأعراض ، ولم يسخُ أحد ببذل ما مسّت إليه حاجة المجتمع ، ولم ينفعل أحد من مُخالفة ما يجب عليه رعايته من القوانين ، ولم يرأف أحد بالعَجَزَة الذين لا ذنب لهم في عجزهم كالأطفال ومَن في تلوهم ، وكذَّب كل أحد لكل أحد في جميع ما يُخبر به ويَعِده ، وهكذا ؛ تلاشى المجتمع الإنساني من حينه .
اسم الکتاب : قضاياالمجتمع والأسرة والزواج المؤلف : العلامة الطباطبائي الجزء : 1 صفحة : 142