يتمثّل في ذلك الارتباط . على عكس اللوحة ؛ فإنّها لو لم ترتبط بالرسّام في عملية رسم معيّنة ، لما فقدت كيانها ووجودها الخاصّ .
وإذا استطعنا أن نخرج بهذه النتيجة المهمّة من تحليل مبدأ العلّية ، أمكننا أن نضع فوراً الجواب على مسألتنا الأساسية ، ونعرف السرّ في احتياج الأشياء إلى أسبابها ، فإنّ السرّ في ذلك على ضوء ما سبق هو : أنّ الحقائق الخارجية التي يجري عليها مبدأ العلّية ، ليست في الواقع إلاّ تعلّقات وارتباطات . فالتعلّق والارتباط مقوّم لكيانها ووجودها .
ومن الواضح : أنّ الحقيقة إذا كانت حقيقة تعلّقية ، أي كانت عين التعلّق والارتباط ، فلا يمكن أن تنفكّ عن شيء تتعلّق به ، وترتبط به ذاتياً . فذلك الشيء هو سببها وعلّتها ؛ لأنّها لا يمكن أن توجد مستقلّة عنه .
وهكذا نعرف أنّ السرّ في احتياج هذه الحقائق الخارجية التي نعاصرها إلى سبب ، ليس هو حدوثها ، ولا إمكان ماهياتها ، بل السرّ كامن في كنهها الوجودي وصميم كيانها ؛ فإنّ حقيقتها الخارجية عين التعلّق والارتباط ، والتعلقّ أو الارتباط لا يمكن أن يستغني عن شيء يتعلّق به ويرتبط . ونعرف في نفس الوقت ـ أيضاً ـ أنّ الحقيقة الخارجية إذا لم تكن حقيقة ارتباطية وتعلّقية ، فلا يشملها مبدأ العلّية . فليس الوجود الخارجي بصورة عامة محكوماً بمبدأ العلّية ، بل إنّما يحكم مبدأ العلّية على الوجودات التعلّقية التي تعبّر في حقيقتها عن الارتباط والتعلّق [1] .
[1] يراجع للتوضيح : الأسفار الأربعة : 1 / 217 (تبصرة تذكّريّة) . شرح المنظومة : 2 / 255 (غررٌ في أبحاث متعلّقة بالإمكان) .