النقطة الأُولى : أنّ ارتباط كلّ جزء من أجزاء الطبيعة والكون بما يتّصل به من أسباب وشرائط وظروف ـ في المفهوم الميتافيزيقي ـ لا يعني عدم إمكان ملاحظته بصورة مستقلّة ، ووضع تعريف خاصّ به ، ولذلك كان التعريف أحد المواضيع التي يبحثها المنطق الميتافيزيقي . وأكبر الظنّ أنّ ذلك هو الذي بعث الماركسية إلى اتّهام الميتافيزيقيا بأنّها لا تؤمن بالارتباط العام ، ولا تدرس الكون على ذلك الأساس ؛ إذ وجدت الميتافيزيقي يأخذ الشيء الواحد ، فيحاول تحديده وتعريفه بصورة مستقلّة عن سائر الأشياء الأخرى ، فخيّل لها بسبب ذلك أنّه لا يقرّ بوجود الارتباط بين الأشياء ، ولا يتناولها بالدرس إلاّ في حالّ عزل بعضها عن الآخر . فكأنّه حين عرّف الإنسانية بأنّها : حياة وفكر ، وعرّف الحيوانية ، بأنّها : حياة وإرادة ، قد عزل الإنسانية أو الحيوانية عن ظروفهما وملابستهما ، ونظر إليهما نظرة مستقلّة .
ولكن الواقع : أنّ التعريفات التي درج المنطق الميتافيزي على إعطائها لكلّ شيء بصورة خاصّة ، لا تتنافى مطلقاً مع المبدأ القائل بالارتباط العام بين الأشياء ، ولا يقصد منه التفكيك بين الأشياء ، والاكتفاء من دراستها بإعطاء تلك التعريفات الخاصّة لها . فنحن حين نعرّف الإنسانية بأنّها : حياة وفكر ، لا نرمي من وراء ذلك إلى إنكار ارتباط الإنسانية بالعوامل والأسباب الخارجية ، وإنّما نقصد بالتعريف : أن نعطي فكرة للشيء الذي يرتبط بتلك العوامل والأسباب ؛ ليتاح لنا أن نبحث عمّا يتّصل به من عوامل وأسباب . وحتّى الماركسية نفسها تتّخذ التعريف أسلوباً لتحقيق هذا الهدف نفسه ، فهي تعرّف الديالكتيك ، وتعرّف المادّة ... فقد عرّف لينين الديالكتيك بأنّه :