اسم الکتاب : فدك و العوالي أو الحوائط السبعة في الكتاب و السنة و التاريخ و الأدب المؤلف : الحسيني الجلالي، السيد محمد باقر الجزء : 1 صفحة : 294
و مع إقرار أبي بكر بصدقها و وفور عقلها، كان اللازم عليه أن يحكم بعلمه من غير بيّنة، فإنّ علم الحاكم أقوى من الظنّ الحاصل من البيّنة.
و هل البيّنة إلّا طريق للكشف عن الواقع، و هو معلوم بثبوت صدقها في كلّ ما تدّعيه.
و لو جاز لأبي بكر طلب البيّنة منها- مع ما ورد فيها من كونها «صدّيقة»- فأيّ فرق بيقى بينها و بين سائر الناس، ممّن لم يرد فيهم الشهادة بالصدق؟!
و لو جاز لأبي بكر طلب البيّنة منها؟ فما هي ثمرة تلكم الأحاديث التي دلّت على صدقها و عصمتها و طهارتها؟
لا شكّ في صدق دعواها:
و بالجملة: فإنّ للزهراء (عليها السلام) من منازل القدس و الجلالة، عند اللّه و رسوله (صلّى اللّه عليه و آله) ما يوجب الثقة التامّة في صحّة ما تدّعي، و الطمأنينة الكاملة بكلّ ما تقول، فلا تحتاج في إثبات دعواها إلى شاهد، كيف و إنّ لسانها ليتجافى عن كلّ باطل، و حاشا للّه أن تنطق بغير الحقّ، فدعواها لوحدها كاشفة عن صحّة ما تقول، بأعلى مراتب الكشف، و أبو بكر من أعرف الناس بها، و بصدقها، و عصمتها، ولكن الملك عقيم.
و الأمر كما ذكره علي بن الفارقي، أحد شيوخ ابن أبي الحديد المعتزلي، إذ سأله: أكانت فاطمة صادقة في دعواها النحلة؟
قال: نعم، قال له ابن أبي الحديد: فلم لم يدفع لها أبو بكر فدكا و هي عنده صادقة؟
فتبسّم، ثمّ قال كلاما لطيفا مستحسنا مع ناموسه و حرمته و قلّة دعابته:
قال: لو أعطاها اليوم فدكا بمجرّد دعواها، لجاءت إليه غدا و ادّعت لزوجها الخلافة، و زحزحته عن مقامه، و لم يكن يمكنه حينئذ الاعتذار بشيء، لأنّه يكون
اسم الکتاب : فدك و العوالي أو الحوائط السبعة في الكتاب و السنة و التاريخ و الأدب المؤلف : الحسيني الجلالي، السيد محمد باقر الجزء : 1 صفحة : 294