محمَّد بن أحمد بن مجاهد، قال: حدَّثنا العلاء بن محمَّد بن زكريّا بالبصرة، قال: حدَّثنا عبيد اللّه بن محمَّد بن عائشة، قال: حدَّثني أبي أنَّ هشام بن عبد الملك حجَّ في خلافة عبد الملك و الوليد، و طاف بالبيت، فأراد أن يستلم الحجر، فلم يقدر عليه من الزحام، فنصب له منبر، فجلس و أطاف به أهل الشام، فبينا هو كذلك إذ أقبل عليّ بن الحسين (عليهما السلام)، و عليه إزار و رداء، من أحسن الناس وجهاً، و أطيبهم رائحة، و بين عينيه سجّادة كأنّها ركبة عنز، فجعل يطوف بالبيت، فإذا بلغ إلى موضع الحجر تنحّى الناس عنه حتّى يستلمه، هيبة له و إجلالًا، فغاظ ذلك هشاماً، فقال رجل من أهل الشام لهشام: من هذا الَّذي قد هابه الناس هذه الهيبة، فأفرجوا عن الحجر؟ فقال هشام: لا أعرفه لئلا يرغب أهل الشام إليه، فقال الفرزدق، و كان حاضراً: لكنّي أعرفه، فقال الشامي: و من هذا يا أبا فراس؟ فقال:
هذا الَّذي تعرف البطحاء وطأته * * *و البيت يعرفه و الحلّ و الحرم
هذا ابن خير عباد اللّه كلِّهم * * *هذا التقيّ النقيّ الطاهر العلم
هذا عليّ رسول اللّه والده * * *أمست بنور هداه تهتدي الأُمم
إذا رأته قريش قال قائلها * * *إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
ينمي إلى ذروة العزّ الَّذي قصرت * * *عن نيلها عرب الإسلام و العجم
يكاد يمسكه عرفان راحته * * *ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
يغضي حياء و يغضى من مهابته * * *فلا يكلَّم إلا حين يبتسم
ينشقّ نور الهدى عن نور عزّته * * *كالشمس تنجاب عن إشراقها الظلم