الطائفة الثانية من المسلمين- و هم المعتزلة- حفظا لعدالة اللّه تعالى التزموا بأن أفعال العباد الاختيارية غير مربوطة به تعالى، بل تمام المؤثر هو الإنسان.
و قد مرَّ عند نقل الأقوال في المسألة، ان اكثر القائلين بالتفويض قالوا بوجوب الفعل بعد إرادة الإنسان، و ذهب جماعة منهم إلى عدم الوجوب.
و استدلوا له بعد الرد على الجبرية و البناء على أن الأفعال الاختيارية تصدر عن الإنسان باختياره.
بأن مبادئ الأفعال من نفس وجود الإنسان و حياته، و ادراكه للفعل، و شوقه إليه، و ملاءمة ذلك الفعل لقوة من قواه، و قدرته على ايجاده، و ان كان حدوثها من قبل اللّه عز و جلّ، الا أن بقاءها و استمرارها في الوجود لا يحتاج إلى المؤثر في كل آن.
و يكون مثل خالق الاشياء معها، مثل الكاتب يحتاج إليه الكتاب في حدوثه و تبقى الكتابة نفسها، أو مثل البناء يقيم الجدار بصنعه ثم يستغني الجدار عن بانيه و يستمر وجوده و ان فني صانعه.
وعليه فلا يحتاج العبد في صدور الفعل منه- بعد افاضة الوجود و سائر المبادئ- إلى شيء، و هو المؤثر التام فيه.
و فيه: ان الممكن كما يحتاج في حدوثه إلى المؤثر كذلك يحتاج في بقائه إليه،