و هذا أيضا لا ينفي انقسام المعاصي إلى صغيرة و كبيرة، بناء على أنّ الفرق بينهما في توعيد النار على المعصية بالخصوص و عدمه، لا من جهة العمومات كما سيظهر.
و أمّا الثالث: فلأنّ استحقار الذنب و استصغاره عقلا قبيح، و النهي الوارد فيهما إرشادي، لئلّا ينجرّ الأمر إلى التجرّي في ركوب الكبائر، أو إلى الأمن من مكر اللّه تعالى.
و الأولى في توجيه الإرشاد أن يقال بمثل ما تقدّم في مسألة إصرار الصغيرة في شرح النبويّ المروي عن ابن بابويه: من أنّ استصغار الذنب و لو صغيرا يدعو صاحبه غالبا إلى الإصرار عليه، ثمَّ بعد الإصرار إلى عدم الندم و الاستغفار عنه.
و الأوّل يوجب صيرورته كبيرة، و الثاني يوجب العقاب عليه، فنهيه (عليه السلام) حثّ على الامتناع عن الاستصغار، و هو يتأتى تارة بمجانبة الإصرار و اخرى بملازمة الاستغفار على تقدير بعث النفس الأمّارة على الإصرار، و الحثّ المستفاد من النهي ينحلّ إلى طلب الأمرين و الإرشاد إليهما معا.
و أمّا الرابع: فلأنّه على خلاف المطلوب أدلّ لدلالته على أنّ المعصية بالإصرار تخرج عن كونها صغيرة، و إنّما تكون صغيرة إذا لم يلحقها الإصرار، و أمّا أنّ الإصرار هو مجرّد عدم التوبة و الاستغفار أو هو مع العزم على العود أو تكرير إيقاعها مع اتحاد النوع و عدمه فهو كلام آخر مرّ تحقيقه، فما ذكره بنفسه دليل على انقسام المعاصي إلى صغيرة و كبيرة، و أنّ الصغيرة تصير كبيرة بالإصرار و الكبيرة تزول بالاستغفار.
[ضابط الفرق بين الكبيرة و الصغيرة]
ثمَّ اعلم أنّ في تفسير الكبيرة و ضابط الفرق بينها و بين الصغيرة اختلافا كثيرا و أقوالا متشتتة: فقيل: إنّ الكبيرة كلّ ذنب رتّب عليه الشارع حدّا أو صرّح فيه