اسم الکتاب : ديوان ابن الفارض المؤلف : ابن الفارض الجزء : 1 صفحة : 5
المحمدية في تلك الربوع و كيف لا يصبو إليها و قد تعلقت نفسه بهذه المقامات حتى كاد لسانه لا يتلفظ إلاّ بها.
و قد كان يشتاق دائما للوصول إلى مكة و شعابها. و إلى الحجاز و رحابها لكن اللََّه لم يفتح عليه إلا بعد وفاة والده في مصر. و حصل ذلك عند دخوله المدرسة السيوفية بالقاهرة. إذ وجد شيخا بقالا على باب المدرسة، يتوضأ بوضوء غير مرتب. فقال له: يا شيخ أنت في هذا السن، على باب المدرسة بين فقهاء المسلمين و تتوضأ وضوءا خارجا عن الترتيب الشرعي؟. فنظر إليه و قال: يا عمر [1] ، أنت ما يفتح عليك في مصر، إنّما يفتح عليك بالحجاز، في مكة، شرفها اللََّه تعالى، فاقصدها، فقد آن لك وقت الفتح. فعلم أن الرجل من أولياء اللََّه، و أنه يتستر بالمعيشة و إظهار الجهل بلا ترتيب الوضوء. فجلس بين يديه و قال له: يا سيدي و أين أنا و أين مكة؟لا أجد ركبا و لا رفقة في غير أشهر الحج فنظر الشيخ إليه و أشار بيده و قال: هذه مكة أمامك. يقول ابن الفارض: فنظرت معه فرأيت مكة شرفها اللََّه فتركته و طلبتها فلم تبرح أمامي إلى أن دخلتها في ذلك الوقت، و جاءني الفتح حين دخلتها فترادف [2]
و لم ينقطع و إلى ذلك يشير في شعره:
يا سميري روّح بمكة روحي # شاديا إن رغبت في إسعادي
كان فيها أنسي و معراج قدسي # و مقامي المقام، و الفتح بادي
ثم يتابع الشيخ عمر ابن الفارض فيقول:
ثم شرعت في السياحة في أودية مكة و جبالها و كنت أستأنس فيها بالوحوش ليلا و نهارا و إلى ذلك يقول في تائيته:
فلي بعد أوطاني سكون إلى الفلا [3] # و بالوحش أنسي إذ من الأنس وحشتي