responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : خزانة الأدب و غاية الإرب المؤلف : ابن حجة الحموي    الجزء : 1  صفحة : 105

الفصل الأوّل: علم البديع و نشأته‌

احتلّ البديع مكانة مرموقة منذ القدم عند العرب أدباء و نقّادا و بلاغيين، لما رأوا فيه من جمال يضفيه على العبارة النثرية أو البيت الشعريّ، كما وجدوا منه ألوانا تزخر بها الآيات القرآنية و الأحاديث الشريفة، فتسنّم ذروة البلاغة حتى اعتبره بعضهم من وجوه الإعجاز في القرآن الكريم، لما له من أثر في جلال المعاني و جمال الألفاظ؛ إلاّ أن الشعراء و الكتّاب في عصر التجديد قد فتنوا به و أفرطوا فيه و منحوه كلّ اهتمامهم، سواء أ كان المعنى مفتقرا إليه أم مستغنيا عنه، فوقعوا في عيوب كثيرة من التكلّف و التعسّف، كانوا في غنى عنها، فصار البديع معهم مسلكا وعرا يؤدّي إلى الإغراب و التعمية بدلا من أن يكون وسيلة لتحلية الألفاظ و تحسينها، أو لكشف المعاني و إبرازها.

ثم شرع العلماء يضيفون إلى ألوان البديع ألوانا تعدّ بالمئات فاختلطت عليهم و لم يعودوا يعرفون الأصل من الفرع فيها، فراحوا يطلقون على كلّ معنى اسما من أسماء البديع، حتى انحرف عن مساره، و أصبح عبئا ثقيلا في نظر النقّاد المحدثين، فدعوا إلى التخلّص منه و التخلّي عنه، أو التخفيف منه ما استطيع إلى ذلك سبيلا، متناسين ما كان له من مكانة مرموقة عند النقّاد الأقدمين عند ما كان يقع للشعراء عفوا دون تكلّف، و قد ظنّوا أن العلّة في فساد البديع في العصور المتأخّرة، تعود إلى البديع ذاته، و لو أمعنوا النظر النقديّ في ذلك لوجدوا أن العلّة تعود إلى سوء استخدام الشعراء لألوانه و الإفراط فيها حتى صار البديع عندهم غاية لا وسيلة، إذ عظّمه بعضهم حتّى أسلك فنونه في قصائد دعيت بـ «البديعيّات» ، و ألّفوا فيه شروحا و احتفلوا به أيّ احتفال، ما دفع البعض إلى أن ينعت العصر الذي ساد و شاع فيه بعصر الانحطاط أو الانهيار، و هو عصر كان، و ما زال أسوأ العصور حظّا من حيث اهتمام الباحثين به، إذ لا يزال نتاجه أو معظم نتاجه مدفونا تحت غبار الزمن و خيوط العنكبوت، و كانت من نتاج هذا العصر تلك «البديعيات» و شروحها، و ما تضمّنته من فنون البديع.

إلاّ أنّ هذه «البديعيات» بما تضمّنته لم تنل حظّها من الدراسة على غرار غيرها من‌

اسم الکتاب : خزانة الأدب و غاية الإرب المؤلف : ابن حجة الحموي    الجزء : 1  صفحة : 105
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست