الثالث: اشتراط القلّة في الماء (1)، أي كونه أنقص من كرّ، دون سائر المائعات، بناءً على دخولها تحت المبحث.
الرابع: هل أنّ ذلك معنى شرعي تحمل خطابات السنّة عليه في غير المقام، أو أنّه اصطلاح من المصنّفين في خصوص المقام؟ (2) و الأظهر العدم [فليس هو معنى شرعي] (3). نعم، لا يبعد في النظر التعميم في كلمات أصحابنا- التي هي قرينة على روايات المقام- لمطلق المباشرة لجسم الحيوان، مع احتمال التخصيص بالماء (4)، و أمّا في غير المقام فالاقتصار على المباشرة بالفم هو الأظهر (5)، بل قد يظهر (6) [عدم اختصاصه بالماء و لا بالمائع].
(1) كما صرّح به جماعة.
(2) مقتضى تعريف جمع له- بأنّه شرعاً ماء قليل باشره جسم حيوان- الأوّل.
(3) و قد يحمل قولهم: «شرعاً» أي في لسان المتشرّعة في خصوص المقام. نعم، يظهر من بعضهم أنّ السؤر هذا معناه؛ لأنّه- بعد أن ذكر تقسيم الأسآر بالنسبة للطهارة و النجاسة، و ما فيه الشفاء و عدمه- قال: «و السؤر عبارة عمّا شرب منه الحيوان أو باشره بجسمه من المياه و سائر المائعات» [1]. و هو في غاية الإشكال إن اريد به أنّ لفظ «السؤر» في أيّ مكان ورد يحمل على هذا المعنى؛ لما عرفت أنّه ليس في اللغة ما يقتضيه و لا في العرف العام، و إثبات الحقيقة الشرعيّة بعيد.
(4) و ربّما يرشد إليه خبر العيص بن القاسم، حيث قال (عليه السلام): «لا تتوضّأ من سؤر الحائض، و توضّأ من سؤر الجنب إذا كانت مأمونة، ثمّ تغسل يديها قبل أن تدخلهما الإناء، و كان رسول اللّٰه (صلى الله عليه و آله و سلم) يغتسل هو و عائشة في إناء واحد ... إلى آخره» [2].
(5) لما سمعت من كلام أهل اللغة.
(6) من بعض الأخبار عدم اختصاصه بالماء و لا بالمائع: 1- كالمروي عن الصادق عن آبائه (عليهم السلام): «أنّ رسول اللّٰه (صلى الله عليه و آله و سلم) نهى عن أكل سؤر الفأر» [3]. 2- و صحيح زرارة عنه (عليه السلام) أيضاً: «أنّ في كتاب عليّ (عليه السلام): أنّ الهرَّ سبع و لا بأس بسؤره، و إنّي لأستحيي من اللّٰه أن أدع طعاماً لأنّ الهرَّ أكل منه» [4].
لكن في المدارك و عن المعالم: «أنّ الأظهر في تعريفه في خصوص المقام، و أنّ المبحوث عنه فيه: ماء قليل باشره فم الحيوان» [5]. بل اعترض في الأوّل على التعريف بمطلق المباشرة لجسم حيوان «بأنّه: 1- مخالف لنصّ أهل اللغة و العرف العامّ، بل و الخاصّ، كما يظهر لمن تتبّع الأخبار و كلام الأصحاب، و [إن] ذكر بعضهم أحكام غير السؤر في المقام استطراداً. و كون الغرض بيان الطهارة و النجاسة لا يقتضي هذا التعميم؛ لأنّ حكم ما عدا السؤر يستفاد من مباحث النجاسات.
2- و أيضاً الوجه الذي لأجله جعل السؤر قسيماً للمطلق مع كونه قسماً منه، إنّما هو وقوع الخلاف في نجاسة بعضه من طاهر العين و كراهة بعض آخر، و ليس في كلام القائلين بذلك دلالة على اعتبار مطلق المباشرة، بل كلامهم و دليلهم كالصريح في أنّ مرادهم بالسؤر المعنى الذي ذكرناه خاصّة» [6]. و فيه نظر من وجوه، يظهر من التأمّل في كلامنا السابق و كلامهم، فتأمّل.