بل المعروف بين المتأخرين [1] و الذي عليه مشايخ عصرنا و من قاربه إنّما هو العدم، فتبقى العمومات سالمة عمّا يقتضي الشكّ في تناولها لذلك، سيّما مع معروفيّته من مذاق الشرع بالنسبة للطهارة و النجاسة.
2- أو يقال: إنّ اليقين الإجمالي لا يرفع الاستصحاب المنقّح موضوعه كما في الفرض [و هو الملاقي]، بخلافه في الإناءين اللذين لا ترجيح لأحدهما على الآخر في جريان الاستصحاب؛ لما عرفته سابقاً.
و توهّم أنّ الاشتباه الذي كان في الإناءين يلحق الملاقي لأحدهما، واضح الفساد.
و لعلّ هذا أقوى من الأوّل في الاستدلال، بل يمكن كونه هو مبنى كلام الأصحاب، و اللّٰه العالم، و هو الذي افتي به و أعمل عليه إن شاء اللّٰه.
3- و قد يقال في التخلّص عن وجوب اجتناب الملاقي للمشتبه برجوعه إلى الشبهة الغير المحصورة، و يكون حاله حال محتمل النجاسة، فإنّه لا إشكال في عدم وجوب اجتنابه و إن كان التكليف بالنجس لا يتمّ إلّا به، لكن لمّا كانت أفراد النجس غير محصورة لم يجب اجتناب المحتمل، و هذا كذلك أيضاً؛ فإنّ إصابة المشتبه له صيّرته محتمل النجاسة.
و كون هذا الاحتمال إنّما نشأ من إصابة متنجّس يجب اجتنابه للمقدّمة لا يصيّر الملاقي كذلك، و كيف! مع أنّه لو صدر الاحتمال من وجوب المجتنب- على اليقين- لما وجب الاجتناب، فهذا أولى.
مثلًا لو كان الإناءان النجس منهما معلوم و وقعت قطرة لا تعلمها من أي الإناءين، فإنّه لا شكّ في عدم نجاسة الثوب بها، و هو معنى قوله (عليه السلام): «ما ابالي أبول أصابني أم ماء إذا كنت لا أدري» [2].
و ما يقال: من أنّ اجتناب النجس لا يتمّ إلّا بذلك.
فيه: أنّه جارٍ في محتمل التنجّس بنجاسة خاصّة معلومة، كالبول المخصوص و نحوه [مع أنّه لا يجب الاجتناب عنه]، فتأمّل.
فإن قلت: إنّه بناءً على ما ذكرت أوّلًا من وجوب الاجتناب ينبغي أن تلتزم [به] في مثل ما إذا وقع الشكّ في إصابة النجاسة البدن مثلًا، أو الأرض بمعنى قطعة منها و إن كانت متكثّرة الأجزاء إذا لوحظ كلّ جزء منها، مع أنّ الأخبار تنادي بفساد ذلك، و كيف يمكن دعوى انّه- عند الشكّ في إصابة النجاسة له- يجب عليه تطهير ثيابه أو بدنه و اجتناب تلك القطعة من السجود عليها و نحو ذلك؟!
قلت: ربّما التزم به بعضهم، و لكن الإنصاف أنّه مستبعد.
نعم، يمكن النزاع في أنّ هذا من الشبهة المحصورة أو لا، و هو مبنيّ على تحقيقها.
أو يقال- كما تقدّم سابقاً-: من عدم حصول الشكّ بالنسبة للعمومات في مثل ذلك، فتبقى شاملة، فتأمّل.