هناك مشكلة عويصة لا بد من التخلص منها، و هي فيما اذا قطع المجتهد بالحكم الواقعي و وصل إليه، لا مانع له من الافتاء للمقلد فيكون ذلك من رجوع الجاهل الى العالم و أهل الخبرة، كما هو سيرة العقلاء في بقية الموارد و الأمور العرفية، فالمريض يرجع الى الطبيب في مرضه لأنه ذو خبرة في ذلك الفن، هذا في الاحكام الواقعية التي يشترك فيها العالم و الجاهل.
و أما في الاحكام الظاهرية فحيث إنها مختصة بالعالم و المجتهد لانه الفاحص و الذي يقدر على الفحص دون غيره، فان المجتهد قادر على الفحص عن المعارض للخبر في بابه، و عن المخصص و المقيد في باب ظهور الخبر في العموم او الاطلاق فيكون شرط حجية الخبر متحققاً في المجتهد دون المقلد، و كذا في باب الأصول العملية فان موضوعها «من فحص و لم يجد دليلًا فشك و تحير»، يجري في حقه البراءة و الاستصحاب و غيرهما من الاصول، و هو المجتهد دون المقلد، فانه غير قادر على الفحص عن الدليل، فالاحكام الظاهرية مختصة بالمجتهد و لا تشمل المقلد، حينئذ يقع الاشكال في انه كيف يجوز للمقلد الرجوع الى المجتهد؟ و كيف يمكن للمجتهد الافتاء للعامي؟ مع أن الحكم الظاهري مختص به و لا يشمل العامي، فلا يكون من قبيل الموارد التي يرجع الجاهل فيها الى أهل الخبرة و يكون الحكم فيها مشتركاً بين العالم و الجاهل، و يزيد الاشكال وضوحاً فيما اذا كان الحكم الذي يفتي به المجتهد للمقلد غير مرتبط بالمجتهد أصلًا، بل يكون من الأحكام المختصة بالمقلد، كما اذا افتى بمسائل الحيض و النفاس، و لا بد في التخلص عن الاشكال و الجواب عنه من التكلم في مقامات ثلاثة:
المقام الأول: البحث عن أن أدلة الأحكام الظاهرية هل تشمل المقلد ايضاً؟ أم هي مختصة بالمجتهد؟
المقام الثاني: البحث عن أنه على فرض عدم شمول أدلة الأحكام الظاهرية