أمّا الاولى: فلأنّ ظاهر دليل اعتبار أمثال هذه الاصول أنّها وظائف شرعت في ظرف الجهل، و لا تكون ناظرة إلى نفي التكليف في مرحلة الواقع.
و أمّا الثانية: فلأنّ أصل الوجوب و إن كان مجعولًا شرعياً، و لكن تحديده بالأقلّ لازم عقلي لعدم جزئية المشكوك فيه أو شرطيته، فترتّب الوجوب المحدود بالأقلّ على نفي المشكوك فيه يكون من الأصل المثبت.
ثمّ إنّه بعد تمامية المقدّمتين و جواز الاكتفاء بالباقي ببركة القاعدة تصل النوبة إلى مسألة الإجزاء و عدمه بعد انكشاف الخلاف، و قد عرفت- هذه هي المقدّمة الثالثة- ممّا سبق: أنّ التنزيل في تلك الاصول ناظر إلى ترتيب الأثر تعبّداً، و أنّ إرادة ترتيب أثر الواقع واقعاً منها خلاف الظاهر، و لا أقلّ من الشكّ؛ فالنتيجة عدم الإجزاء، انتهى [1]
. و فيه أوّلًا: أنّ عدّ البراءة من الاصول العدمية لا تخلو عن شيء؛ لأنّ الأصل العدمي عند القوم عبارة عن استصحاب العدم و نحوه، و البراءة لم تكن مقتضاها ذلك، فتدبّر.
و ثانياً: أنّ قوله في المقدّمة الاولى: تنزيل المشكوك فيه منزلة العدم في ترتيب الأثر، لا يخلو عن تسامح؛ لأنّ العدم باطل محض لا أثر له.
و ثالثاً- و هو المهمّ في الإشكال، دون الأوّلين- و هو منعه (قدس سره) المقدّمات، مع أنّ المقدّمة الاولى و الثالثة تامّتان و المقدّمة الثانية غير محتاجة إليها.
و ذلك لأنّ ظاهر لسان حديث الرفع، رفع المشكوك فيه تكويناً، و حيث لم يمكن إرادة الرفع التكويني فالمراد رفعه تنزيلًا و ادّعاءً، و هو ليس إلّا تنزيل المشكوك فيه منزلة العدم، و مقتضاه أنّ الجزء المشكوك فيه غير معتبر في حقّ الجاهل به، و قد