و بعبارة اخرى: استعمال اللفظ في المعنى هو إفناؤه بتمامه في المعنى؛ فلو استعمل في معنيين يلزم إفناؤه بتمامه في آنٍ واحد في معنيين، و هو غير معقول.
التقريب الرابع: هو أنّ اللفظ وجود تنزيلي للمعنى و لذا يقال: إنّ للشيء وجودات: 1- وجود عيني 2- وجود ذهني 3- وجود كتبي 4- وجود لفظي فلو استعمل اللفظ في معنيين- مثلًا- يلزم أن يكون لفظ واحد وجوداً تنزيلياً لاثنين؛ فكما لا يعقل لشيء واحد وجودين خارجيين فكذلك ما هو منزّل بمنزلته.
و لكن الإشكال- بتقاريره الأربعة- غير وجيه؛ لأنّه لم يكن للاستعمال ذلك المقام. و حديث فناء اللفظ في المعنى أجنبي عن باب الاستعمال؛ لأنّ الاستعمال جعل اللفظ علامة للمعنى، و المتلفّظ بلفظٍ يتوجّه إليه؛ توجّهاً تامّاً، كما يكون متوجّهاً إلى المعنى كذلك.
نعم، قد توجب كثرة الاستعمال و الممارسة الغفلة عن اللفظ و عدم الالتفات إليه حين التلفّظ به؛ و لذا قد يعدّ بعض الألفاظ قبيحاً أو حسناً، و هذا غير الفناء.
و إلّا لو كان ذلك لأجل السراية و فناء اللفظ في المعنى ينبغي أن يسري كلّ ما للمسمّى إلى اللفظ؛ مثلًا لا بدّ و أن تسري نجاسة العذرة أو الكلب و الخنزير و قذارتها إلى ألفاظها، و هو كما ترى.
و بالجملة: الاستعمال لم يكن إفناء اللفظ في المعنى حتّى تلزم تلك المحاذير المتوهّمة، بل حين الاستعمال يكون اللفظ و المعنى ملحوظين؛ خصوصاً في ابتداء تعلّم لغة و تمرّنها، و هو من الوضوح بمكان. فيجعل اللفظ علامة لمعنىً و كاشفاً عنه؛ بسبب وضع الواضع اللفظ للمعنى، أو كثرة استعمال اللفظ في معنىً، و من الواضح إمكان جعل شيء علامة لأشياء متعدّدة.
فإذن: لا يجتمع اللحاظان؛ لا من جانب المتكلّم، و لا من جانب المخاطب: