توضيح ذلك: هو أنّ كلّ من انتحل لغة و لساناً، ارتكزت في ذهنه معانٍ و امور بسيطة إجماليّة؛ بحيث لو سَبَرها و تأمّل فيها لانبسطت و انكشفت لديه، و تصير مفصّلة مبيّنة، و ربّما يقع الخلاف و الإجمال في فهم تلكم المعاني الإجمالية الارتكازيّة، فليس كلّ ما يحصل في الذهن أمراً واضحاً مُبيّناً، بل ربّما يحتاج إلى الاستعلام و الاستحضار من خزانة الخاطر و الذهن.
فإذاً نقول: إنّ تبادر المعنى الكذائي من اللّفظ الفلاني يتوقّف على ارتكاز كذا، فلو لا هذا الارتكاز لم يتبادر ذلك المعنى من اللّفظ الفلاني، و لكن التصديق و العلم التفصيلي بأنّ هذا اللّفظ معناه الحقيقي ذلك المعنى، يحتاج إلى لطف قريحة و استفسار من خزانة الخاطر، فالعلم التفصيلي بمعنى اللّفظ يتوقّف على تبادر المعنى من حاقّ اللّفظ، و أمّا التبادر فيتوقّف على العلم الارتكازي، فالموقوف غير الموقوف عليه، فلا دَور.
و هذا نظير من حصلت له ملكة علميّة بالنسبة إلى علم- سواء كانت مسبوقة بتعلّم المسائل و تفاصيلها، أو كانت ملكة قدسيّة وهبها اللَّه تعالى- فإنّ الشخص يكون عالماً بمسائل ذلك العلم، و لكن لا بنحو التفصيل، بل بنحو الإجمال و البساطة، فإذا سُئل عن مسألة من مسائل ذلك العلم يرجع إلى نفسه، فربّما يستحضر الجواب من نفس ذاته بلا رَوِيّة و فكر، و ربّما يحتاج إلى الفحص و التجسّس عن المعنى الذي علمه، فيرفع الحجاب عنه و ينكشف لديه، و ربّما يذهل المعنى من خاطره، و لا يمكنه استحضاره.
و إلى هذا ينظر كلام الشيخ الرئيس (قدس سره) حيث قال: إنّه إذا عرضت عليك مسائل كثيرة و أردت الجواب عنها، فعند ما تريد الجواب عنها تكون تلك المسائل حاضرة لديك لا تفصيلًا بل إجمالًا، فكلّما تتوجّه إلى الجواب عن خصوص مسألة فيها تحضر لديك مفصّلًا.