اسم الکتاب : جامع الشتات المؤلف : الشيخ الخواجوئي الجزء : 1 صفحة : 177
و منه الحديث: «أمرت بقرية تأكل القرى، تنفي الخبث كما ينفي الكير خبث الحديد» [1] أراد الهجرة إلى المدينة، فقوله: «أمرت بقرية تأكل القرى» مجاز، و المراد أنّ أهلها يقهرون أهل القرى فيملكون بلادهم و أموالهم، فكأنّهم بهذه الأحوال يأكلونهم. و خروج هذا القول علىٰ طريقة العرب معروف؛ لأنّهم يقولون: أكل فلان جاره إذا عدا عليه فانتهك حرمته و استبى جاريته، و عليه قول علقمة بن علقمة لأبيه في أبيات:
و من ذلك قوله (عليه السلام) في غزوة الحديبية: «قريش أكلتهم الحرب» يريد أنّها قد أفنت رجالهم و انتهبت أموالهم، فكانت من هذا الوجه كأنّها آكلة لهم، فيكون المعنى لاستعنت بها على قتل الكفّار و كسرهم و قهرهم لأنّه عبادة مفروضة. الثاني: أنّه (صلى الله عليه و آله) يوقع الأكل على وجه العبادة، و كذا جميع أفعاله، بل ينبغي أن يكون جميع أفعال المؤمن كذلك، و لا شكّ أنّ الأكل لتقوّي البدن على الطاعات من جملة العبادات، فلو كان له يد ثالثة لاستعان بها على فعل هذه الطاعة. الثالث: أن يكون المراد لاستعنت بها على تحصيل الرزق الذي هو محلّ الأكل و تحصيله من العبادات؛ لأنّه يتقوّىٰ به على الطاعات و يتصدّق به على المحاويج. الرابع: أن يقرأ على «الاكْل» بضم الهمزة و سكون الكاف اسم المأكول، أو بضمّها اسم مصدر، كقوله تعالى: «وَ نُفَضِّلُ بَعْضَهٰا عَلىٰ بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ»[3] و قوله تعالىٰ: «تُؤْتِي أُكُلَهٰا كُلَّ حِينٍ»[4] و قوله: «أُكُلُهٰا دٰائِمٌ»[5] و المراد به ما يؤكل منه و هو الرزق، أي: لاستعنت بها علىٰ تحصيله بحذف المضاف، و حينئذ فلا حاجة