التباين؟ و على فرض التباين، كيف يكون الحكم؟ في البداية يجب أن ندقّق في معاني هذه العناوين خصوصاً عنوان الحرج، باعتبار أنّ القاعدة عرّفت بهذا العنوان.
العنوان الأوّل: هو عنوان الحرج
. عرّف كبار أهل اللغة الحرج بما يلي: يقول الجوهري في كتاب الصحاح:- مكانٌ حرج: أي ضيّق. فهنا أوّلًا جعل الحرج صفة للمكان، ثمّ عرّفه بأن قال عنه: ضيّق. و في الحقيقة فإنّ الحرج أساساً يعني الضيق كما أنّه فسّره بالإثم أيضاً. حيث يقول الجوهري في الصحاح قد يستعمل كلمة الحرج بمعنى الإثم. و جاء في القاموس، الحرج: «المكان الضيق الكثير الشجر» و من هنا يمكن أن نستفيد من القاموس فائدة جديدة لم يشر إليها في الصحاح، و هي أنّ المعنى الأوّل للحرج أخذ فيه المكان. لأنّ عبارة الصحاح هي الحرج، أي الضيّق، و أمّا القاموس فقد عرّف فيها الحرج قائلًا: المكان الضيّق، الكثير الشجر. و في الحقيقة فإنّ هذا المعنى راجع إلى المعنى الأوّل. لأنّ المكان الذي يكثر فيه الشجر، يكون ضيقاً. لأنّ كثرة الشجر تعني المسافة بين الأشجار متقاربة جدّاً، و بالتالي فهذا يتضمّن حالةً من الضيق. المعنى الثالث للحرج- الذي ينصّ عليه القاموس- هو الإثم. و هذا المعنى بنفسه قد اشير إليه في الصحاح، و يضيف ابن الأثير في كتاب النهاية إضافة جديدة على المعنيين المتقدّمين فيقول: إنّ الحرج في الأصل الضيق، و يقع على الإثم و الحرج. إلّا أن المعنى الأصلي للكلمة هو الضيق، و أمّا معنى الإثم و الحرام فهو ليس أصلًا، ثمّ يقول: و قيل: الحرج، أضيق الضيق. أي لا مطلق الضيق، بل الضيق الشديد. و محصّله أنّ للضيق عدّة مراتب، أعلى هذه المراتب هي الحرج.