فقوله تعالى: وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا[1] يشعرنا أنّ المجاهدة في اللَّه غير المجاهدة في سبيل اللَّه، حيث أن لها آثاراً، و آثارها هي قوله تعالى:
لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا، فالذي يجاهد على حدّ تعبير القرآن (فينا)، أي في كافّة الأبعاد الإلهيّة و في جميع الامور التي تمّت إلى اللَّه سبحانه و تعالى بصلة يقول عنه اللَّه سبحانه و تعالى: لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا أي نرشدهم إلى السبيل التي تؤدّي بهم إلى اللَّه، فالقرآن الكريم أشار في هذه الآية الشريفة إلى المجاهدة في أعلى مراتبها، حيث يقول تعالى:
وَ جاهِدُوا فِي اللَّهِ ثمّ يضيف قائلًا: حَقَّ جِهادِهِ. هل يحقُّ لنا هنا أن نذهب إلى ما ذهب إليه أغلب المفسّرون من أن المراد في هذه الآية هو أن تصلّوا و تصوموا؟ هل لنا أن نحمل قوله تعالى: وَ جاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ على فعل الطاعات و اجتناب المعاصي؟ هل يوجد هناك ثمّة آية اخرى في القرآن الكريم عبَّر فيه سبحانه و تعالى عن الطاعة و المعصية بمثل هذا التعبير؟ لا شكّ أن قوله تعالى: وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا يعبّر عن مقام شامخ و رفيع.
و لذلك نرى أن القرآن الكريم لم يكتفِ بالمجاهدة في اللَّه، بل أضاف إليه قوله: حَقَّ جِهادِهِ، و الآن كيف يمكن لنا أن نفسّر ذلك كلّه بأن القرآن يريد أن يقول: ألزموا جانب الطاعة و لا ترتكبوا المعاصي؟ أضف إلى ذلك قوله تعالى في تتمة الآية: هُوَ اجْتَباكُمْ فإنّه لا بدَّ و أن يتطابق مع ما تقدّم من الكلام، و أن يكون من سنخه، و بناءً على ذلك فهل يصح أن نفسّر